الثالثة: قَذَف زوجته بزنا أضافه إلى ما قبل الزوجة، فإن لم يكُنْ هناك ولَدٌ، فليس له النَّفْيُ باللعان، ويُحَدُّ إذا لم يأْتِ بينة؛ لأنه لا حَاجَة [به] (?) إلى القَذْف بذلك الزِّنا، وبهذا قال مالك، وعن أبي حنيفة: له اللعان؛ اعتبارًا بحالة القَذْف، وعن أحمد روايتان، وإن كان هناك ولدٌ، فوجهان:
أحدهما، وبه قال أبو إسحاق: لا يلاعن؛ لأنه مُقَصِّر بذكر التاريخ، وكان من حقه أن يَقْذِف مطلقًا؛ وعلى هذا فله أن يُنْشئَ قذْفًا، ويلاعن لنفي النسب، فإن لم يَفْعل، فيحد، وهذا الوجه أرْجَح عند الشيخ أبي حامد وجماعة، -رحمهم الله-.
والثاني، وبه قال أبو علي بن أبي هريرة، والطبريُّ: أن له اللعان، كما لو قذف مطلقًا، وقد برئ الولَدُ من ذلك الزِّنَا وهذا أصح عند القاضي أبي الطيِّب، وإلى ترجيحه مال الإِمام والقاضي الرُّويانىُّ وغيرهما؛ فعلى هذا يندفع الحد إذا لاَعَنَ، وهل عليها حدُّ الزنا؟ فيه وجهان؛ لأنها لم تُلَطِّخ فراشه، حتى يجب الحد عليها بلعانه انتقامًا، وهل لها معارضته باللعان؟ فيه الوجهان السابقان (?).
قَالَ الغَزَالِيُّ: (فُرُوعٌ: الأَوَّلُ) لَوْ لاَعَنَ ثُمَّ أَبَانَهَا وَقَذَفَهَا بِتِلْكَ الزَّنْيَةِ فَلاَ حَدَّ وَعَلَيْهِ التَّعْزِيرُ وَلاَ لِعَانَ* وَإنْ قذَفَهَا بِزَنْيَةٍ أُخْرَى فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تُلاَعِنْ وَحُدَّتْ لَمْ يَجِبِ الحَدُّ عَلَي أَحَدِ الوَجْهَيْنِ لِسُقُوطِ حَصَانَتِهَا بتِلْكَ الزَّنْيَةِ بِمْوجِبِ لِعَانِهِ* وَإنْ لاَعَنَتْ وَجَبَ الحَدُّ عَلَى الصَّحِيحِ إِذْ بَقيَتْ حَصَانَتُهَا بِلِعَانِهَا* وَإِنْ كَانَ القَذْفُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فإيجَابُ الحَدِّ أَوْلَى لأَنَّ أَثَرَ لِعَانِ الزَّوْجِ لاَ يَتَعَدَّى إِلَى غَيْرِهِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا قَذَف زوجته، ولاعَنَ ثُمَّ قَذَف مرَّةً أخْرَى، فَلهَا حالتان:
إحداهما: إذا لم تُلاَعن في مُعَارضة لعانه، وحُدَّت حد الزنا فالقذف. الثاني: إما أن يَصْدُر من الزوج أيضًا أو من أجنبيٍّ إن قَذَفها الزوج، فيُنْظَر؛ إن قَذَفها بتلك الزنية أو أطْلَق، لم يلزمْ إلا التَّعْزير (?)؛ لأنا قد صدَّقناه في تلك الزنية، وإنما يعزِّر؛ للسب والإيذاء، وإن قَذَفَها بزنية أخرى، فوجهان نقلهما صاحب الكتاب وغيره:
أحدَهما: وجُوبُ الحَدِّ، كما لو لم يسْبقه لعان.
وأصحهما، وهو المذكور في "التهذيب": أنه لا يجب إلا التعزير أيْضًا؛ لأن اللعان في حقِّ الزوج كالبينة، وليس لَهُ أن يُلاَعن؛ لدَفْع التعزير؛ لأنه قَذْف بعْد البينونة،