قرينة تدُلُّ عليه، فإذا قال طلِّقتك ثم قال: سبَق لساني إلَيْه، وكنت أريد أن أقول طلَبْتُكِ فعن نصِّ الشَّافعي -رحمه الله- أنَّه لا يسع امرأته أن تَقْبَل منْه ذلك، وحَكَى القاضي الرُّويانيُّ عن "صاحب الحاوي"، وغيره أنَّ هذا فيما إذا كانَ الزَّوْج متهماً فيه، أمَّا إذا علِمتْ صدْقَه، أو غَلَب على ظنها بأمارة، فلَهَا أن تقبل قوْلَه: ولا تخاصِمَه، وأن من سَمِعَ منه ذلك، إذا عَرَف الحال، يَجُوز له، أن يَقْبَل، ولا يَشْهَد علَيْه، قال: هذا هو الاختيار، وإن كانَتْ زوجته تسمى طالقاً، وعبده يسمى حرًّا، فقال: يا طالقٌ أو يا حُرُّ، وقصد النداء بالاسم، لم يقَع الطلاق، ولم يحْصُل العتق، وإن قَصَد الطلاق والعتق، حصلا، وإن أطْلَق ولم يَنْوِ شيئاً فعلى أيِّ المحملين يُحْمَل، فيه وجْهان.
أشبههما: الحمل على النِّداء، حتَّى لا يقع الطلاق إلا إذا نَوَى، وهذا هو المذْكُور في "التهذيب" وذكر الإِمام أن مأْخَذ الوجهين يقرب من مأخذ القوْلَين فيما إذا قال: أنْتِ طالقٌ، أنْتِ طالقٌ، وَلم ينْو تكراراً ولا تأكيداً أنَّه عَلاَمَ يُحْمل؟ والأظهر هناك أنَّه تقع طلقتان، وإذا كان اسم امرأته ما يقارب حروفُه حروف طالق، كالطالع، والطالب، والطارق، فقال: يا طالقٌ، ثم قال: أردت أن أقول: يا طارِقُ أو يا طالع، فالتتفَّ الحرف بلساني، قُبِل قوله في الظاهر؛ لقوة القرينة وظهورها، بخلاف ما إذا قَالَ لامرأته: أنتِ طالقٌ، وهو يحل وثاقاً عنها وقال: أردتُّ الإطلاق عن الوَثَاق حيْث ذَكْرنا خلافاً في قَبُوله ظاهراً، قال في "البسيط", لأن التلفُّظ بكلمَة الطَّلاق كالمستنكر في حالة النِّكَاح، ما إذا نطق بها بعْد قَبُول التأويل.
والمبرسم والمُغْمَى عليه كالنائم والحاكي لطلاق الغَيْر لا يقع طلاقه، وذلك مثْل أن يقول: قال فلان: زوْجَتي طالقٌ، وكذا الفقيه إذا كان تكرَّر لفظ الطلاق في تصويره وتدريسه وتكراره.
ومن صُوَر سبْق اللسان ما إذا طَهُرَت امرأته من الحَيْض أو ظنَّ طهارتها، فأراد أن يقول: أنْت الآن طاهرةٌ، فسبق لسانه؛ أنت الآن طالقة.
قَالَ الغَزَالِيُّ: (الثَّانِي): الهَزْلُ وَلاَ يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي مَنْعِ الطَّلاَقِ وَالعِتَاقِ، وَفِي سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ تَرَدُّدٌ، وَالمَشْهُورُ أَنَّ النِّكَاحَ لاَ يَنْعَقِد مَعَ الهَزْلِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: الهازل (?) بالطلاق يَقَع طلاقه، ورُوِيَ أنَّه -صلى الله عليه وسلم- قال: ثَلاَثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ، وَهَزْلُهُنَّ جِدُّ، الطَّلاَقُ، والعِتَاقُ، والنِّكَاحُ (?)، وُيرْوَى بدْل العتاق الرجعة.