واحدة إن شئت فطلقت ثلاثاً وقعت واحدة كما لو لم يقل إن شئت ولو قدم ذكر المشيئة على العدد فقال طلقي نفسك إن شئت ثلاثاً فطلقت واحدة أو طلقي نفسك إن شِئْتِ واحدةً، فطلقَتْ ثلاثاً، قال صاحب "التلخيص" وساعده الأصحاب: لا يقع شيْء، والفَرْق أنَّه إذا قدَّم المشيئة، صارَتْ مشيئة ذلك العدد شرطاً في أصْل الطلاق، وكان المَعْنى: طلِّقِي نفْسَك إن اخترت أن تُطَلِّقي نفسَكِ طلاقاً، فإذا اختارت غيْر الثلاث، لم يوجَدِ الشَّرْط، وإذا أخر المشيئة، كانَت المشيئة راجعةً إلى تفويض ذلك المَعْنَى، كأنه قال: فَوَّضْت الثلاث إلَيْك أن تُطلِّقي نفْسَك ثلاثاً، فإن شئْتِ فافْعَلِي ما فوضت، وذلك لا يَمْنَع نفوذ ذلك المُعيَّن، ولا نفوذ ما يدْخُل فِيهِ، هذا تمام الكلام في الرُّكْن الأول.

قَالَ الغَزَالِيُّ: (الرُّكْنُ الثَّانِي للِطَّلاَقِ: القَصْدُ): وَإِنَّمَا يُتَوَهَّمُ اخْتِلالُهُ بِخَمْسَةِ أَسْبَابٍ: (الأَوَّلُ): سَبْقُ اللِّسَانِ فَمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إِلَى الطَّلاَقِ لَمْ يَقَع طَلاَقهُ، وَلَوْ كَانَ اسْمُ زَوْجَتِهِ طَالِقُ وَاسْمُ عَبدِه حُرٌّ فَقَالَ: يَا طَالِقُ وَيَا حُرّ لَمْ يعْتَقُ وَلَمْ تُطَلَّقُ إِنْ قَصَدَ النِّدَاءَ، فَإِنْ أَطْلَقَ فوَجْهَانِ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ النِّدَاءِ وَالإِنْشَاءِ، وَإذَا كَانَ اسْمُ زَوْجَتِهِ طَارِقَ فَقَال: يَا طَالِقُ ثُمَّ قَالَ: الْتَفَتَ لِسَانِي قُبِلَ ذَلِكَ ظَاهِراً.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: القَصْد إلى الطَّلاق لا بُدَّ منه، وإلاَّ فهُو غَيْرُ مُزِيل ملك النكاح، فوَجَب ألاَّ يَزُول، والمراد به أن يكون قاصِداً لحروف الطَّلاق؛ بمعنى الطلاق، ولا يكفي القَصْد إلى حروف الطلاق من غير قَصْد معْناه.

وقوله "وإنما يُتَوَهَّم اختلاله بخمسة أسباب" المراد منْه أن غاية ما يُتَوَهَّم الاختلال به هذه الأسباب؛ لأن الاخْتلاَل بكل واحد منْها متوهَّم؛ فإنَّ منها ما هو متحقَّق يمْنَع وقوع الطَّلاق، ومنها ما يُتوهَّم الاختلال به، ليس كذلك كطلاق الهازل.

أحد الأسباب ألا يكُونَ قاصداً إلى اللَّفْظ أصلاً كالنائم تجري كلمة الطلاق على لسانِه، واحْتُجَّ له بما روِيَ أنَّه -صلى الله عليه وسلم- قال: "رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلاَثٍ عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيقِظَ، وَعَن المَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ" (?).

ولو استيقظ النائم، وقَدْ جَرَى لفْظ الطلاق على لسانه، فقال: أجزت ذلك الطلاق، أو أوقعته، فهو لَغْوٌ (?). وعن أبي حنيفة -رحمه الله- أنَّه لو قال: أجزته، لم يجز، ولو قال أوقعته، وقَعَ.

ومَن سَبَق لسانه إلى كلمة الطلاق في محاورته، وكان يريد أن يتكلم بكلمة أخْرَى، لم يَقَع طلاقاً، ولكن لا تُقْبَل دعوى سَبْق اللسان منْه في الظاهر إِلاَّ إذا وُجِدَتْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015