جوابٌ على القولين؛ صيانةً لحق المستحِقِّين عن التأخير والتفويت، ثم إذا فرق بنفسه، وجاء الساعي مطالباً، فيصدَّق رب المال بيمينه، واليمينُ واجبة أو مستحبة فيه وجهان؛ فإن قلنا: واجبة فنكل، أخذت الزكاة منه؛ لأنَّها كانتْ واجبةً عليه، والأصل بقاؤها، لا بالنكول، وأما الأموالُ الباطنة.
قال أقضى القضاة الماورديُّ -رحمه الله-: ليس للولاة نظرٌ في زكاتها، وأربابُها أحقُّ بها، فإن بذلُوها طوعاً، قَبِلَها الوالِي، وكان عوناً لهم في تفريقها، وإن عرف الإمامُ من رجل أنَّه لا يؤدِّيها بنفسه، هل أن يقول له: إما أن تدفع بنفسك، أو تدفع إليَّ؛ حتى أوصل؟ فيه وجهان في بعض الشروح، ويجريان في المطالبة بالنُّذُور والكفارات.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: ثمَّ الإمَامُ إِذا نَصَّبَ سَاعِياً، فلَيَكُنْ جَامِعاً شَرَائِطَ الوِلاَيَةِ، وَمِنْ شَرَائِطِهِ أَنْ يَكُونَ فَقِيهاً بأَبْوَابِ الزَّكَاةِ وَلْيُعَلِّمَ السَّاعِي في السَّنَةِ شَهْراً يأْخُذُ فِيهِ صَدَقَةَ الأَمْوَال، وَلْيُسَمِّ الصَّدَقَاتِ وَيَكْتُبْ عَلَيْهَا للهِ، وَعَلَى نَعَمِ الفَيْءِ صِغَاراً لِيَتَمَيَّزَ أَحَدَ المَالَيْنِ عَنِ الآخَرِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: فيه ثلاثُ مسائلَ:
إحداها: من نصبه الإمام ساعياً، فيشترط أن يكون مسلماً مكلَّفاً عدلاً حرّاً؛ لأنه نوع ولاية وتصرُّف في مال الغير، ويشترط أن يكون فقيهاً بأبواب الزكاة، يعرف ما يأخذ، ومن يدفع إليه، هذا إذا كان التفويض (?) عاماً، أمَّا إذا عين الإمامُ شيئاً يأخذه، لم يعتبر الفقْه (?)؛ قال الماورديُّ: "وكذا لا يعتبر الإِسلامُ والحرية (?)؛ لأنه رسالةٌ ولا ولايةٌ"، وهل يجوز أن يكون العامل هاشميّاً أو من المرتزقة؟ فيه خلافٌ سبق، وفي "الأحكام السلطانية" للماورديِّ -رحمه الله-؛ أنه يجوز أن يفوَّض إلَى من تَحْرُمُ عليه الصدقة من ذوي القربَى، لكن يكون رزقه من سهم المصالح [وإن قال الأخذ وحْدَهُ أو القسمةَ وحدها، لم يتولَّ، إلا ما قلد، فإن] أطلق التقليد، تولي الأمرين، وأنه إذا كان العامل جائزاً في أخذ الصدقات، عادلاً في قسمتها، جاز كتمها عنه، وأجزأ دفعها إليه، وإن كان عادلاً في الأخذ جائراً في القسم، وجب كتمها عنه، فإن أخذها طوعاً أو كرهاً، لم تجزئ، وعلى أرباب الأموال إخراجُهَا بأنفسهم، وهذا خلافُ ما ذكره في "التهذيب" أنه إذا دفع إلى الإمام الجائرِ، سقط الفرض عنه، وإن لم يوصله إلى