وقال الشيخ يحيى اليمني في "البيان": ذكر بعض أصحابنا أنه إذا جرت عادة أهل بلد بالأذان بعد طلوع الفجر لم يقدم فيها الأذان على الوقت كيلا يشتبه عليهم الأمر، وهذا التفصيل غريب، وليكن قوله: "ثم يقدم" معلماً بالواو مع الحاء لذلك، ثم في القدر الذي يجوز به التقديم وجوه، ذكر منها في الكتاب وجهين:
أحدهما: أنه يقدم في الشتاء لِسُبُعٍ بقي من الليل، وفي الصيف لِنْصِف سُبُع [بقي من الليل، وروي عن سعد القرظي (?) قال: "كَانَ الأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- فِي الشِّتَاءِ لِسُبْعٍ بَقِيَ مِنَ اللَّيْلِ وَفِي الصَّيْفِ لِنِصْفِ سُبْعٍ"] (?) (?) وهذا القدر لا يعتبر تحديداً، وإنما يعتبر تقريباً، والغرض أن يتأهب الغافلون لأسباب الصلاة وفي التنبيه قريباً من السحر ما يحصل هذا المقصود.
والثاني: أنه إذا خرج وقت اختيار العشاء إما الثلث وإما النصف على اختلاف القولين فقد دخل وقت أذان الصبح؛ لأنه لا يخاف اشتباه أحد الأذانين بالآخر فإن الظاهر أن العشاء لا تؤخر عن وقت الاختيار.
والوجه الثالث: أن وقته النصف الأخير من الليل، ولا يجوز قبل ذلك، وإن قلنا: إن وقت اختيار العشاء لا يجاوز ثلث الليل وشبه ذلك بالدفع من "المزدلفة" والمعنى فيه ذهاب معظم الليل.
والرابع: حكاه القاضي أبو القاسم بن كج وآخرون: أن جميع الليل وقت له كما أنه وقت لنية صوم الغد. واحتج له بإطلاق قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ بلاَلاً يُؤَذِّنْ بِلَيْلٍ" وأظهر الوجوه أنما هو الأول، ولم يفصل في "التهذيب" بين الصيف والشتاء، واعتبر السبع على الإطلاق تقريباً، وكل هذا في الأذان. أما الإقامة فلا تقدم على الوقت بلا خلاف.
وهذا الفصل ليس من أحكام الأذان إلا أن الشافعي -رضي الله عنه- ذكره في هذا الموضع لتعلقه بالمواقيت وتأسى به الأصحاب.