المودَعُ صُدِّقَ بيمينه، وإِلاَّ طولب بالبينة، فإن لم يكن بينه صدق المالك بيمينه. وحكى أبو الفرج الزاز -رحمه الله- وجهاً أنَّ ظاهِرَ الحال يغنيه عن اليَمِين، وحكَى أيضاً وجهاً غريباً فيما إذا لم يَنْهَ عن النَّقْلَ، فَنَقَلَ إلَى ما دونه: أنَّه لا يَضْمَن فيجوز أن يعلم لذَلِكَ قولُهُ في الكَتاب: "فنقل إلَى ما دُونَه في الحِرْزِ، ضمن" بالواو، وقوله: "فإن نهاه عن النقْلِ، فنقل، ضَمِنَ" معلَمٌ بالواو؛ لما سبق، وبالحاء؛ لأن عند أبي حنيفة أنَّه لا بأس بالنقل من بيت إِلَى بيتٍ آخر من الدار، [وسلم أنه لا يجوزُ النقْلَ من دار] (?) إِلَى دارٍ أخرَى، إذا نهَى عن النقل.
ثم ذكر الأئمة: أنَّ جميعَ هذا فيما إذا كان البَيْتُ المعيَّن والدارُ المعيَّنة للمودَعِ، أمَّا إذا كان للمالك، فليس للمودَعِ إخراجُهَا عن ملكه بحالٍ إِلاَّ أن تعرض ضَرورةٌ.
الصورة الثالثة: إذا نقل الوديعة من ظرف إِلَى ظرف كخريطة إلَى خريطةٍ، وصندوقٍ إِلَى صندوق، فَقَدْ أطلَقَ صاحبُ الكتاب أنَّه إن كانت الظروفُ للمالكِ، لا يضمن، وأطْلَقَ مطْلِقُون، والحالةُ هذه؛ أنَّه يضْمَن، كما لو نقَلَها من بيته.
والَّذي يتلخص فيه من كَلامِ الأصحاب عَلَى اضطرابه [أنَّه] إنْ لَمْ يُجِرْ فَتْحُ قُفْلٍ، ولا فَضَّ خَتْم، ولا خَلْط، ولم يعيَّنِ المالَكُ ظرفاً، فلا يضمن بمجرَّد النقْل، سواءٌ كانت الصناديقُ للمودَعِ أو للمالكِ، وإذا كانَتْ للمالكِ، فحُصُولها في يد المودَعِ قد يكونُ بجهة كونِهَا وديعة، أيضاً إما فارغةٌ أو مشغولةٌ بالوديعةِ، وقد تكون بجهةِ العَارِية، وإنْ جرَى شيء من ذلك، فأما الفضُّ، والفَتْح، والخَلْط، فَقَدْ مَرَّ أنها مضمنةٌ، وأما إن عَيَّن ظرفاً، نُظِر: إن كانَتِ الظروفِ للمَالِك، فوجهان:
أحدُهُمَا: أنه يضْمَن؛ لأن التفتيشَ عن المتاعِ المَوْضُوعِ في الصنْدُوقِ، والتَّصَرُّفَ فيه بالنَّقْل لا يليقُ بحالِ المُودَع.
وأصحُّهما: المَنْعُ؛ لأنَّ الظرف والمظْرُوف وديعتَانِ، وليس فيه إِلاَّ أنَّه حفْظُ أحدِهِما في حرزٍ، والآخر في غيره، فعلَى هذا: إن نقل إلَى المثل، أو الأحرز، فلا بأْسَ، وإن نقل إلَى ما دُونَه، ضمن، وإن كانَتِ الظروفُ للمودَعِ، فهو كالبُيُوتِ بلا خلاَفٍ.
ومما يناسب صور الفصل، لو قال: احفَظْ وديعتِي في هذا البَيْتِ، ولا تدخل عليها أحداً، أو لا تستعن عَلَى حفْظِها بالحارسِينَ فخالف فإن حصل التلف؛ بسبب المخالفة؛ بأن سَرَق الدين أدخَلَهُم أو الحارِسُون، ضمن، وإن سرق غَيْرُهم، أو وقع