والمنزل الآهِلُ: العامِرُ الذي فيه أهله، وهذا الثاني. يوافِقُ لفظ الشافعيِّ -رضي الله عنه- إِلاَّ أنَّ الأشبَهَ بقول صاحب الكتاب الأوَّلُ؛ إِذ الموجودُ في أكثر النُّسَخِ القديمةِ عند تعليلِ الضَّمَان؛ لأنَّ قرية آهِلة أحرزُ في حقه، وقد يوجَدُ في بعْضِها إدخالُ الألف واللام؛ حتَّى يصير: "لأنَّ القريةَ الآهِلَةَ أحرزُ" لكن كلمة "في حقِّه" لا تحسُنُ في هذا الموضع، حينئذ، ولو أراد ذلك لاقتصر علَى قوله: "لأنَّ القرية الآهِلَةَ أحرزُ"إِلاَّ أنَّ يقدِّر عَوْدَ الكناية في لفظة "حقه" إلى المال.

وقوله: "إلا إِذا ظَهَر نقصانُ الحِرْزِ في قرية أهله يستمرُّ فيه القراءتان، فيجوز أنَّ يكون الموضعُ مسكنه ومسكن أقاربه، أو عامِراً فيه أهله إِلاَّ أنَّ غيره أحرزُ منْه؛ لمعارض راجح، وحيثُ منعنا من النَّقْلِ، فذلك إذا لم تكن ضرورةٌ، فإنْ وقعتْ ضرورةٌ، فكما ذكرنا في المسافرة، وإذا أراد الانتقال، ولا ضرورةَ، فالطريقُ ما سبق؛ فيما إذا أرادَ السَّفَر والنَّقْل من محلَّةٍ إلى محلَّةٍ أو من دارٍ لي دارٍ كالنقل من قرية إلى قرية متصلتَي العمارةِ، وأما إذا نَقَل من بيت إلَى بيت في دارٍ واحدةٍ، أو خانٍ واحدٍ، فلا يضمن، وإن كان الأوَّلُ أحرزَ منهما، كان الثانِي حِرْزاً أيضاً، ذكره في "التهذيب" وجميع كلام الفصْل مفروضٌ فيما إذا أطْلَقَ الأيداعَ، أما إذا أمر بالحفْظِ في موضعٍ (?) معينٍ فسيأتي إن شاء الله تعالَى.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: الثَّالِثُ التَّقصِيرُ في دَفْعِ المُهْلِكَاتِ، فَإِنْ تَرَكَ عَلَفَ الدَّابَّةِ أَوْ سَقْيَهَا ضَمِنَ إِلاَّ إِذَا نَهَاهُ المَالِكُ فَإنَّهُ يَعْصِي وَلاَ يَضْمَنُ، وَكَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَرِّضِ الثَّوْبَ الَّذِي يُفْسِدُهُ الدُّودُ لِلرِّيحِ ضَمِنَ، فَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ إِلاَّ بِاللّبْسِ لَزِمَ اللُّبْسُ، إِلاَّ إِذَا نَهَاهُ المَالِكُ، وَمَهْمَا أَمَرَ صَاحِبَةُ بِعَلَفِ الدَّابَّةِ أَوْ سَقْيِهَا لَمْ يَضمَن عَلَى الأَظْهَرِ؛ لأَنَّ ذَلِكَ مُعْتَادٌ، وَكَذَا لَوْ أَخْرَجَهُ للسَّقْيِ وَالطَّرِيقُ آمِنٌ، وَقِيلَ: إِنَّهُ يَضْمَنُ لأَنَّهُ إِخرَاجٌ مِنَ الحِرْزِ بِغَيْرِ عُذْرٍ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: يَجبُ عَلَى المودَع دفْعُ مهلكات الوديعةِ على المُعْتَادِ؛ لأنَّه من أصُولِ الحفْظِ، وفيه مسألتان:

إحداهما: إذا أودعه دابَّةٌ، فله أحوال:

إحداها: أن يأمره بالعَلَفِ والسقْي، فعليه رعايةٌ المأمور، فإنِ امتنعَ؛ حتَّى مضتْ مدةٌ يموتُ مثلها في مثل تلْكَ المدَّة نَظَرَ: إن ماتَتْ، ضمنها، وإن لم تَمُتْ، دخلت في ضمانه، وإن نقصتْ، ضمن النقصان، وتختلف المدةُ باختلاف الحيوانات، وإن ماتتْ قبل مُضِىِّ تلك المدة، لم يضمنْها، إن لم يكُنْ بها جوع، وعطش سابق، وإن كان،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015