وهو عالم به، ضمن، وإِلاَّ فوجهان، كالوجهين فيما إذا حَبَسَ مَنْ به بعضُ الجوع، وهو لا يعلم به؛ حتَّى مات وهو لا يعلم، قال في "التتمة": "والأظهر أنَّه لا ضمانَ"، وإذا أوجهْنَا الضمان، فضمن الكلّ أو بالقسط حكى أبو الحَسَنِ العبَّادِيُّ فيه وجهين، كما لو استأْجَرَ بهيمةً، ليحملَ عليها مائة مَن فَزَادَ.

والثانيةُ: إن نهاه عن العَلَفِ والسقْي، فيعصى، لو ضيَّعها لحرمة الروح، وفي الضمان وجّهَان، قال الإِصطخريّ: "يجبُ، لحصولِ التعدِّي في الوديعة".

وقال الجمهور: "لا يجبُ، كما لو قال: اقتل دابتي، فقتلها وعن الشيخ أبي زيد -رحمه الله-: تخريجُ الخلاف، فيما إذا قال: اقتلْنِي، فقتله، هل تجبُ الدية؟ ولم يرتَضُوا هذا البناءَ؛ لأنا إذا أوجبنا الديَةَ، أوجبناها للوارث، ولم يوجد منه إذن في الإِتلاف، وهاهنا بخلافه.

الثالثة: أن يطْلق الإيداع فلا يأمر بالعَلَف، والسقْي، ولا ينهي، فعلى المودع القيامُ بهما؛ لأنه التزم حفْظَها.

وقال أبو حنيفةَ: لا يلزمُ ذلك. ثم الكلام في مسألتين:

أحدهما: لا شك أن المودع لاَ يَلْزَمه العلَفُ من ماله، ولكنْ إن دفَع إلَيْه المالكُ ما يعلِفُها منه، فَذَاكَ، ولو قال: اعْلِفْهَا من مالِكَ، فهو كما لو قال: اقض ديني.

والظاهر: أنَّه يرجع علَيه، وإن لم يذكر شيئاً، فيراجع المالكُ أو وكيلُهُ، ليستردَّها، أو يعطي علفها، فإن لم يظْفَرْ بهما، رفع الأمر إلى الحاكِمِ، ليستقرضَ على المالك، أو يبيع جزءاً منْها، أو يؤجِّرها، ويصرف الأجرة إِلى مؤنتها، والقول فيه وفي تفاريعه عَلَى ما سبق في هَرَبِ الجمال، وعلف الضالة، والإِنفاقِ على اللَّقِيطِ ونحوها.

والثاني: إنْ عَلَفَهَا وسَقَاها في دارِهِ أَو إِصْطَبْلِه، حيث يسقي ويعلف دوابَّهُ، فقد وَفَّى الحفْظَ حقه، وإن أخرجها من موْضِعِهَا، فإن كان يفعل ذلك في دوَابٌ نفسه؛ لضِيقِ الموضِعِ وغيره، فلا ضمان، وإن كان يسْقِي دوابَّه فيه، فقد قال الشافعيُّ -رضي الله عنه- في "المختصر": "وإن أخرجها إلَى غير داره [وهو يسقي في داره] (?) ضمن واختلف الأصحابُ فيه، فأخذ الإصطخريُّ بظاهِرِهِ، وأطلق وجوبَ الضَّمَان؛ لأنه أخرج الوديعة عن الحِرْز بغير ضرورة، وحمله طائفةٌ عَلَى ما إذا كان ذلك الموضِعُ أَحرز، فأما إذا كان الموضِعُ المخْرَجُ إليه أحرَزَ أو تساوياً، فلا ضمان، وحمله أبو إسْحَاق، وآخرون عَلَى ما إذا كان في الإخْراج خوفٌ، فإِن لم يكن، لم يَضْمَن، لاطِّراد العادة به هذا هو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015