المَذْهب، وقالوا: التلَفَ، وإِن حَصَلَ قبل المَوْت، حصل، وهو مقصر بترك البيان، ولا يمكن فرض التَّلَف قبل الوصيَّة؛ لأنَّ قوله: "عتنْدي ثَوْبٌ" يقتضي حصوله في الحال.

قَالَ الغَزَالِيُّ: الثَّانِي نَقْلُ الوَدِيعَةِ مِنْ قَرْيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ إِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةٌ ضَمِنَ بِالسَّفَرِ، وَإِنْ لَمْ يكُنْ فَإِنْ نَقَلَ مِنْ قَرْيَةِ أهْلِهِ، ضَمِنَ، لِأَنَّ قَرْيَةِ أَهْلِهِ أَحْرَزَ في حَقِّهِ، وَلَوْ كَانَ بِالعَكْسِ لَمْ يَضْمَنِ إِلاَّ إِذَا ظَهَرَ نُقْصَانُ الحِرْزِ في القَرْيَةِ الآهِلَةِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا أودعه في قرية، فنقل الوديعةَ إلَى قريةٍ أخرَى، نُظِرَ: إنْ كان بينَهُمَا مسافةٌ تُسَمَّى الضرْبُ فيها سفراً، ضمن بالسَّفَر بها، وبعضهم لا يقيد، ويقول: إن كان بينهما مسافةٌ، ضمن كأنه يجعل مطلق المسافة مصححاً اسْمَ السَّفَر، وظاهر الكتَاب يوافِقُ هذا؛ لأنه أراد الأوَّل عَلَى ما قيَّده في "الوسيط" وهو الظاهرُ، وحكى الشيخ أبو حاتم القزوينيُّ وغيره وجهاً: أنَّه إذا كانت المسافةُ دون مسافة القَصْر، وكانت آمنةً، والقريةُ المنقولُ إلَيْها أحرز، لم يضمن، وهذا مصيرٌ إلَى أنَّ المسافَرَةَ بالوديعَةِ، إنما تضمن بشَرْطِ طُول السَّفَرِ، وهو بعيدٌ، فإنَّ خَطَرَ السفَر، لا يتعلَّق بالطُّول والقِصَر، وإنْ كانتِ المسافةُ بحَيْثُ لا تصحِّح اسم السفر، فإِن كان فيها خَوْفٌ، ضمن، وإلاَّ فوجهَانَ:

أحدهما: أنَّ الجوابَ كذلك؛ لأنَّ حدوث الخَوْف في الصَّحراء غير بَعيدٍ.

وأظهرهما: أنَّه كما لو لَمْ يكُنْ بينهما مسافةٌ أصلاً، بل اتصلتِ العماراتُ، وحينئذٍ: فإِن كان المنقولُ عنها أحْرَزَ، ضَمِنَ، فإنَّ المالك، إذا أودعها، فيها يعتمد حفظه فيها، وإنْ كان المنقولُ إليها أحرَزَ، أو تساويا، فلا ضمانَ، واعلم أن كَوْنَ القرية أحرز له أسبابٌ:

منْها حصانَتُهَا في نفسها، أو انضباطُ أهلها، وانقطاع الأيدي الفَاسِدَةِ عنها.

ومنْهَا: أنَّ تكون عامرةً كثيرةَ الأهل.

ومنْهَا: تكونَ مسكَنَهُ ومسْكَنَ أقاربه، وأصدقائه، فلا يتجاسر أُولُو الغرامة على الهجوم عليه، ولا تمتد أطماعهم وأيْدِيهِمْ إليه، وبهذا الاعتبِارِ: يجُوزُ أن يقرأ لفظ الكتاب عَلَى إضافة "القرية" إلى "الأهل"، فيقال: "من قريةِ أَهلِهِ إلَى قرية غير أهله [وبالاعتبار الذي قبله: يجوز أنَّ يقرأ على الصفة، فيقال: "من قرية آهلةٍ، إلى قرية غير آهِلَةٍ"] (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015