ونرجع الآنَ إلَى ما يتعلَّق بنظم الكتاب وترتيبه.

وقوله: "وللوديعةِ عاقبتان" تدرُّجٌ لطيفٌ إلى فقْهِ الباب، فإذا حصلَتِ الوديعةُ عند المودع، فإما أنْ تهلك عنده أَو تبقى إن آل أمرها إلى الهلاك، فإنْ لم يكنْ منه تقصيرٌ، فلا ضمان، وقد انقطعَ الكلامُ، أو تبْقَى، وإن كان، فعلَيْه الضمان، ويحتاج فيه إلَى معرفةِ ما يصيرُ به مقصِّراً، وإن بقيت، فيرد.

وقوله: "وللتقصير سبْعَةُ أسبابٍ" عدَّها في "الوسيط" ثمانيةً، فجعل الإيداعَ من الغَيْر [سبباً، والمسافرة بالوديعة سبباً، وهاهنا خلط أحدهما بالآخر وعدهما،] (?) سبباً واحداً، وما في "الوسيط" أحسنُ، ولو جَعَلَ تَرْكَ الإيصاء سبباً آخَرَ، لاسْتَقَامَ.

وقوله: "إِلاَّ أنَّ يودِعَ عند القاضي" مُعْلَمٌ بالواو؛ لما حكينا من الوجّهِ المانِعِ من إيداعِ القاضِي، إذا لم يكُنْ سفرَ عُذْر، سواء وجد المالك أو وكيله، أو لم يجدْ، وَلفظ الكتاب في نَفْي الضَّمَان بإِيداع القاضي، وإن كان مطلقاً إِلاَّ أنَّه أرادَ مَا إِذَا لم يجدِ المالكُ أو وكيلُهُ عَلَى ما هو مبيَّن في "الوسيط" ومع ذلك، فأكثر الأئمة عَلَى خلافِ الجواب المذْكُورة في الكتابِ، كما قدَّمنا، وساعَدَهُ أبو سعيدٍ المتولِّي على اختيار ذَلِكَ الجوابَ، وقوله: "فسافر به ضمن" معلَمٌ بالحاء والألف والواو.

وقوله: "إِلاَّ أنَّ يودع في حالة السفر" أي: يودِعَ، وهو مسافرٌ، فله إدامةُ السَّفَر، والسَّيْرُ به.

وقوله: "أن يرد إلى المالك" يعني أو وكيله، وقوله: "وإن ترك هذا الترتيبَ، ضمن" معلَمٌ بالواو والميمِ؛ لما سبق، وقوله: "وسافَرَ به تعرَّض لخَطَرِ الضمانِ عَلَى أظهر الوجّهَيْن" بيَّنا أنَّ الأظهرْ عند المعظَم خلافُ ما ذكره، وفي قوله: "فسافَرَ به" تعرُّضٌ، كالإشارة إلَى أنَّه لا يكلَّف ترك السفر، والكلام في أنَّ التجويزَ، هل هو مشروطٌ بسلامة العاقبة، وإذا لم يكلَّف ترك السفر، فسَافَر، فلا بد، وأن يسافر به، وإِلاَّ فهو مضيّع، والحالة هذه.

وقوله "ومهما تبرم بالوديعة ... " إلَى آخره مبنىٌّ على تجويز الرفْع إلى القاضِي من غيْر سَفَر وعُذْر منه، وفيه ما قد عرفْتَه وقولُه:

"ومن حضرته الوفاة" ليس بمحمولٍ على المحْتَضر، بل كلُّ مريض بخيفة مرضه، كالمحتضر في ذلك لا يلحق بالمرض الكِبَر والشَّيْخُوخة، وقوله: "فلا ضَمَان" تنزيلاً على التَّلَف قبل الموت خلافُ ما رويناه عن عامة الأصْحَاب: أنهم جعلوه ظاهِرَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015