النظم يقتضي عَوْدَ الكتابة إلى الوديعة، [لكن الوديعة] (?) في تفسير الفقهاءِ واللُّغَوِيِّينَ هي المالُ نفسه، والذي ذكره حقيقةُ الإِيداع، فليتناول (?) اللفظ وفي لفظ "المال" ونحوه ما يبين أن الخمر ونحوها لا تودع، وإذا كان الايداعُ عبارةٌ عن الاستنابة في الحفْظ، كان توكيلاً خاصَّاً، فلذلك قال: "وأركانُها كأرْكَانِ الوكالة" وأركانُ الوكالة على ما بينت في بابها أربعةٌ: ما فيه التوكيل؛ وهو الحفظُ هاهنا، والوكيل، والموكل، وُيسَمَّيَانِ في هذا التوكيل: المُودِعُ، والمودَعُ، والصيغةُ، ولا بدَّ من جهة المودع من صيغة دالة على الاستحفاظ؛ كقوله: استودعْتُكَ هذا المالَ، أو أودعتُكَ، أو استحفظتك، أو أنبتك في حفظه، أو أحفظه عندك، أو هو وديعةٌ عندك، وما في معناها (?)، وهلْ يُعْتَبَر القبول باللفظ من المودَعِ؟ قيل: لا، ويكتفي بالقبض بكيفيته في العقار والمَنْقُول، وقيل: نعم، وقيل: يفَرَّق بين أنَّ يقول: أودَعْتُكَ، وما هو علَى صيغ العُقُود، وبين أن يقول: احفظه أو هو وديعةٌ عندك؛ وهي بعينها كما ذكرنا في الوكالة، والأظْهَرُ الأوَّل، وإِلَى هذه الجملة أشار بقوله "وصيغَتُها كَصِيغَتِها" ولو قال: إِذَا جاءَ رأْسُ الشهر، فقد أَودعتك هذا، فجواب القاضي الرويانيِّ في "الحلية" الجوازُ، والقياسُ تخريجُه على الخلاف في تعليق الوكالَةِ، ولو جاء بماله ووضعه بَيْن يَدَيْ غيره، ولم يتلفَّظْ بشيء، لم يَحْصُلِ الاِيداعُ، فلو قبضه الموضوعُ عنده، ضَمِنَهُ، وكذا لو كان قَد قال مِنْ قَبْلُ: أريد أن أودعك، ثم جاء بالمالِ، وإن قال: هذا وديعَتِي عنْدك، أو احفظه، ووضَعَهُ بين يديه، فإن أخذه الموضوع عنده، تَمَّت الوديعة، إذا لم يعتبر القبولُ اللفظيُّ، وإن لم يأخذه، نُظِر: إن لم يتلفظ بشيء، لم تكن وديعةٌ، حتى لو ذهب وتركه، فلا ضمانَ عليه، نعم: يأْثَمُ، إن كان ذهابُه بَعْد ما غاب المالِكُ، وإن قال: قبلْتُ أوضعه فوضعه، كان إيداعاً، كما لو أخذه بيده، كذا قال في "التهذيب" وقال في "التتمة": أنَّه لا يكونُ وديعةً، ما لم يقبضه، وفي فتاوى صاحب "الكتاب" -رحمه الله- أنه إنْ كان الموضِعُ في يده، فقال: ضعْهُ، دخل المال في يَدِهِ لحصولِهِ في الموضع الَّذِي هو في يَدِهِ، وإنْ لم يكُنْ كما لو قال: انْظُرْ إلَى متاعي في دكاني، فقال: نعم، لم يكنْ (?) وديعةً، وعلى الأول: لو ذهب (?) الموضوع عنده، وتركه، فإن كان المالك حاضرًا بعد، فهو ردُّ للوديعة، وإن