وأظْهَرُهُمَا: وبه قال ابنُ أبي هُرَيْرَةَ: نعم؛ لأَنَّهُ نماء ملكه، فأشْبَهَ الثَّمَرَةَ واللَّبَن، ويُحْكى هذا عن نَصِّهِ في القديمِ، وحَرْمَلَةَ، ويجرِي الخلافُ فمما إذا تَفَجَّرَت عَيْنٌ في مِلْكِه، ثم على الوَجْه الأوَّل، إذاَ نبع الماءُ في مِلْكِهِ وخرج ملْكُه من أخذه.
وعلى الثاني: لاَ يَمْلِكُ، ولو دُخَلَ داخلُ مِلْكَهُ وأَخَذَه، ففي ملْكِهِ الوجْهَان، وسواءٌ قلْنا: يمْلِك أو لاَ يَمْلِكُ، فلا يجبُ عَلَى مالك البِئْر بَذْلُ الفاضل عن حاجته لزَرْع غيره؛ خلافاً لأحْمَدَ في إحدى الروايتَيْن، وبه قال بعضُ أصحابنا فيما حكاه القاضي المَاوَرْدِيُّ. وفي البَذْلِ للماشيةِ وجهان:
أصحُّهما: الوُجُوبُ؛ لحديث أبي هُرَيْرَةَ.
والثاني: وبه قال أبو عُبَيدِ بْنُ حَرْبَوَيه لا يجب كما لا تجبُ إعارةُ الدلو والرّشَا، وبذْلُ المَاءِ المحرز في الإناء، والحديثُ محمولٌ عَلَى الاستحباب، وهذا ما اختارَهُ الإِمَامُ، وحَكَاهُ عَنِ القاضي، ولكنَّ الجمهورَ عَلَى الأوَّلِ.
التفريعُ: شَرَطَ المَاوَرْدِيُّ لوجوب البَذْلِ شروطاً:
أَحَدُهَا: ألاَّ يجد صاحبُ المواشِي كَلَأً مُبَاحاً.
والثاني: أنْ يكونَ هُنَاك كَلَأً يُرْعَى، وإلاَّ لَم يجِبْ، وفي "التتمة" ذكْرُ وجهين من هذه الشروط.
والثالث: أنْ يكونَ المَاءُ في مستَقَرِّه، فأمَّا المأخوذُ في الإنَاءِ, فلا يجب بَذْلُهُ، وإنْ فَضَلَ عنْ حاجتِه. وعن أبي الحُسَيْنِ بْن القطَّانِ أنَّ من الأصحاب من أوجبه، ثم عابرو السبيلِ يُبْذَلُ لهم ولمواشيهم، وفيمنْ أراد الإقامةَ في الموضِع وجْهان؛ لأنَّه لا ضَرُورةَ له إلى الإقامةِ (?)، وحَكَى القاضي ابن كَجّ وجهَيْن في أنَّه هل يَجِبُ البَذْلُ للرعاة، كما يجب للمواشِي؛ لأنَّها لا تستقلُّ بنفسها، والمنعُ منْهم يتضمَّن المنْعَ منْها، وهذا كالمستبْعَد؛ لأنَّ البَذْلَ لسُقَاة الناسِ، رعاةً كانوا أو غَيْرَهم أوْلَى من البَذْلِ للمواشي، إلاَّ أن يُنْظَرَ إلى أنَّ مَنْعَ المواشِي يَتَضَمَّنُ الاستئثارَ بالكَلأَ المُبَاح، أو بضيعتها، عَلَى أنَّ الإمامُ نَقَلَ وجهَيْن في المَنْعِ من الشُّرْبِ على الإطلاق، إذا فرَّعْنَا عَلَى أنَّ الماءَ مملوكٌ، وإذا أوجَبْنا البذلَ، فهل يجوزُ أنْ يأخُذَ عليه عِوَضاً؟ فيه وجهان:
أحدُهُما: نعم، كما يطعم المضَطْرُّ بالعوض.