وأصحُّهُمَا: لاَ؛ لما رُوِيَ عن جابر -رضي الله عنه- أنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ بَيْعِ فَضْلِ المَاءِ" (?).
وأَمَّا إذا حَفَرَ، ولم يَقْصِدِ التَّمُّلَك ولا غَيْرَهُ، ففيه وجهان مَذْكُورَان في "النهاية":
أظهرُهما: أنَّه لا اختصاصَ لماءِ البِئْر به، والنَّاسُ كُلُّهُمْ فيه سواءٌ.
والثَّاني: أنَّ القَدْرَ الَّذِي يحتاجُ إلَيْهِ يختصُّ به، فيكون التوصُّلُ إلى الماء مُفِيداً لاِختصاصِ، وإنْ لم يَقْصِدْ كما أنَّ الإحياءَ قد يفيد المِلْكَ، وإن لم يَقْصِدْ.
وقولُهُ في الكتاب: "وهو ماءُ البِئْرِ، فهو مختصٌّ به" يشتمل ظاهرُهُ البِئْرَ المحفورة لِلتَّمَلُّكِ، والمحفورة لِلارتفاق، وهذا الظاهرُ معْمولٌ به، فإن الاختصاصَ ثابتٌ في مَائِهَا، إلاَّ أنَّهُ قال: ولا يلزمه بَذْلُهُ لغَرَضِ الزَّرْع، إلاَّ بعوض، وإنَّما يجوز أخْذُ العِوَضِ عَلَى تقدير كون المَاءِ مملوكاً، ثم لاَ بُدَّ ههنا من معرفة أمور:
أحدها: أنَّ قَوْلَه: "وَلاَ يَلْزُمُ بَذْلُهُ". وقولَهُ: "هَلْ يلزمُه بذلُه" محمولاَن عَلَى بذل الفاضِلِ عنْ حاجته، فأمَّا كلُّ المَاءِ، فلا يلزم بَذْلُه بحال.
والثاني: أنَّ بيْعَهُ وأخْذَ اَلْعِوَضِ عليه كَيْفَ يجوزُ؟ وسيأْتِي في الفصْل التالي لهذا الفصل إن شاء الله تعالى.
والثالث: إنَّ قَوْلَهُ: "إلاَّ بِعَوَضٍ" ليْس باستثناءٍ متحقق، فإن البَذْلَ، بالعِوض غَيْرُ لازمٍ أيضاً.
والرَّابع: أنَّ قَوْلَه: "لا يلزمُه بذْلُه" يجوزُ أنْ يُعْلَمَ بالواو؛ لما سبق من الخلاف فيما يُحْفَرُ لاِرتفاق، وما يُحْفَرُ لِلْمِلْكِ جميعاً، وبالألف أيضاً؛ لما مَرَّ.
قَالَ الغَزَالِيُّ: أَمَّا القَنَاةُ المُشْتَرَكَةُ فَالمِلْكُ فِيهَا بِحَسَبِ الاشْتِرَاكِ فِي العَمَل، وَلَهُمُ القِسْمَةُ بِنَصْبِ خَشَبَةٍ فِيهَا ثُقَبٌ مُتَسَاوِيَةٌ، وَتَصِحُّ المُهَايَاَةُ وَلاَ تَلْزَمُ عَلَى الأَظْهَرِ (و).
قَالَ الرَّافِعِيُّ: حُكْمُ القَنَواتِ حُكْمُ الآبارِ في مِلْكِ مِيَاهِهَا، وفي لزومِ البذلِ وَغَيْرِهَما إِلاَّ أنَّ حَفْرَها لمجرَّد الارتفاق لاَ يكادُ يقع، ومهما اشتركَ المتملِّكون في الحفْر اشتركُوا في المِلْك، بحَسَب اشتراكهم في العمل والارتفاق كما ذكرنا في النَّهرِ