والْبِئْرُ المحفُورَةُ على قَصْدِ الارتفاقِ دونَ التَّمَلُّكِ فالحافر أَوْلَى بمائِها إلَى أن يرْتَحِلَ، لكنْ ليس لهُ منعُ ما فَضَلَ عَنْهُ عن مَنْ يحتاجُ إلَيْه للشُّرْب، إذا اسْتَسْقَى بدَلْوِ نفسِه، ولا منْع مواشيه؛ لما رَوَى أبو هُرَيْرَة -رضي الله عنه- أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ مَنَعَ فَضْلَ المَاءِ؛ لَيمْنَعَ بِهِ الْكَلأَ مَنَعَهُ اللهُ فَضْلَ رَحْمَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (?).

والمرادُ أنَّ الماشيَةَ إنَّما تَرْعَى بِقُرَبِ المَاءِ، فهذا منع من المَاءِ, فقد منع من الكلأ، وجازَه لنَفْسِهِ، وله أن يَمْنَع غَيْرَهُ من سَقْي الزَّرْع به؛ لأنَّ الحيوانَ أعظَمُ حُرْمَةً، وللإمام فيه احتمالٌ من حيثُ إنَّه لم يَملِكْهُ، والاختصاصُ إنَّما يكون بقَدْر الحاجة، وبهذا أجاب في "التتمة" فحَصَلَ وجهان، وُيعْتَبَر في الفاضل الذي يَجِبُ بذلُه أنْ يَفْضُلَ عن سقيه ومواشيه ومزارعه. قال الإمامُ: وفي المزارعِ احتمالٌ على بُعْدٍ (?)، وإذا ارْتَحَلَ المرتفِقُ، صارت البئرُ كالبئرِ المحفورةِ للمارَّة، فإن عاد، فهو كغيره (?).

وأمَّا البئرُ المحفورةُ للتَملُّكِ، وفي المِلْك، فهل يكونُ ماؤهَا مِلْكاً؟ فيه وجهان:

أحدهُمَا: وبه قال أبو إسحاقَ: لاَ، لظاهر قولِه -صلى الله عليه وسلم-: "النَّاسُ شُرَكَاءُ في ثَلاثةٍ: المَاءِ وَالنَّارِ والْكَلأَ" (?).

وأيضاً، فإنَّ للمكتَرِي الدَّارَ أنَّ يَنْتَفِع بماء بئرها, ولو كان مِلْكاً للمكرِي، لَمَا جاز له التصرُّفُ فيه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015