إن قلنا: يملك، ففي بقاء حقِّ الوقوف فيما ملك وجهان، إن قلْنا: يبقَى فذاك مع اتِّسَاعِ الباقي أم بشرط ضيقه عن الحجيج فيه وجهان، هذا تلخيص ما حكاه الإمامُ، وأشار صاحبُ الكتاب ههنا، وفي "الوسيط" إلى ثلاثة أوجه في المسألة.
ثالثُها: الفَرْقُ بين أن يضيقَ الموقفُ، فيمنع، وبين ألا يضيق، فلا يمنع، وهذا أظهر عنْده، لكنَّ المنعَ المطْلَقَ أشبهُ بالمَذْهَب، وبه أجاب صاحبُ "التتمة"، وشبَّهها بالمواضع التي تتعلَّق بها حقوقُ المُسْلمين عُمُوماً وخصوصاً، كالمساجد، والطُّرق، والرِّبَاطات في الطُّرق والمواضع التي يصلَّى فيها العِيدَ خارج الأمصار (?)، والبِقاعِ الموقُوفة عَلَى معيَّن أو غير معيَّن.
قَالَ الغَزَالِيُّ: الرَّابِعُ اخْتِصَاصُ المُتَحَجِّرِ مَرْعىَ وَهُوَ نَصْبُ أَحْجَارٍ عَلاَمَةً عَلَى العِمَارَةِ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ إِنْ لَمْ يَطُلِ الزَّمَانُ وَكَانَ مُشْتَغِلاً بِأَسْبَابِ العِمَارَةِ، فَإِنْ جَاوَزَ ذَلِكَ بَطَلَ اخْتِصَاصُهُ (و)، وَقِيلَ: البُطْلاَنُ لَوْ تَعَدَّى غَيْرَهُ وَأَحْيَا نِفِي حُصُولِ المِلْكِ خِلاَفٌ (و)، وَكَذَا فِي جَوَازِ اعْتِيَاضِ المُتَحَجِّرِ عَنِ اخْتِصَاصِهِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: الشارعُ في إحياء المواتِ متحجِّر ما لم يُتِمَّه، وكذا إذا أعلم عليه علامة للعمارةِ من نَصْب أحجار أو غرز خشباتٍ قصبات، أو جَمْع تراب، أو خطّ خطوطٍ، وذلك لا يفيدُ الملك، ولكن يجعله أحقَّ به منْبر غيره.
أمَّا أنّه لا يفيدُ الملك، فلأنَّ سببَ المِلْكِ الإحْياءُ, ولم يُوجَدْ.
وعن أبي حسين القطّان؛ أنَّه بعض الأصحابِ جعله مفيداً للملك.
وأمَّا أنَّه يفيد الأحقيَّةُ فلأنَّ الإحياءَ, إذا أفادَ المِلْكَ، وجب أن يُفِيدَ للشُّروع فيه الأحقيَّة، كالاستيام مع الشراء، وأيضاً، فليأْمَنْ من يقصد الإحياء بالشُّروع في العمارة، ولا ينبغي أنْ يَزيد المتحجر على قدر كفايته، ويضيق على النَّاس، ولا أنْ يتحجَّر ما لا يمكنه القيام بعمارته، فإنْ فَعَلَ، قال في "التتمة": لغيره أن يُحْيِىَ ما زاد على كفايته، وما زاد عَلَى ما يمكنه القيامُ بعمارته.
وقال غيره: لا يصحُّ أصْلاً؛ لأنَّ ذلكَ القَدْرَ غَيْرُ متعيِّن (?)، وينبغي أن يشتغل بالعمارة عَقِيبَ التحجُّر، فإن طالت المُدَّةُ، ولم يحيى قال له السُّلْطَانُ أَحْي، أو ارفَعْ يدَك عنْه، فإن ذكَر عُذْراً، واسْتَمهل، أمهَلَهُ مدةً قَريبَةً، يستعدُّ فيها للعمارة، والنظَرُ في تقديرها إلَى رأْيِ السلطانِ، ولا تتقدَّر بثلاثةِ أيَّامِ في أصحِّ الوجهَيْن، فإذا مضَتْ، ولم