فيها، ويمنع إذا ظهر له التعنُّتُ، وقَصَد الفسادَ، قال: وكذلك القول في إطالة البنَاء، ومنع الشَّمْسِ والقمرِ (?)، ولو حَفَر في ملكه بئرَ بالوعةٍ، وفسَد بها بئرُ ماءِ الجار، فهو مكرَوه لكنَّهُ لا يُمْنَعُ منه، ولا ضمانَ علَيْه بسببه خلافاً لمالكٍ وعن القفَّال موافقته؛ ويجوز أن يُعْلَمَ قولُهُ في الكتاب: "وإنْ كانَتْ في ملْكٍ، فلا حريم له" بالميم؛ لأنَّ الرواية عن مالكٍ أن لها حريماً بقَدْرها.
هذا بيان الجملَتَيْن، ولا مَنْعَ في إحياء ما وَرَاء الحَرِيم، قَرُبَ أم بَعُدَ؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- "أقْطَعَ عَبدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ الدُّورَ، وَهِيَ بَيْنَ ظَهْرَانِي عِمَارَةِ الأنْصَار مِنَ المَنَازِلِ وَالنَّخِيلِ" (?)، والدُّور يقال: إنَّه اسمُ موضعٍ، ويقال إنَّهُ أقْطَعَهُ تلْك البقعةَ ليتَّخذَها دُوراً.
وعن مالك أنَّ المَوَاتَ القريبَ من العمران لا يحييه إلاَّ أَهْلُ العمران.
وَيُرْوَى عن أبي حنيفةَ مثْلُه في تحديد القُرْب بقَدْر صَيْحَةٍ من كلِّ جانب، وربما نسب ذلك إلى أبي يُوسُفَ.
قَالَ الغَزَالِيُّ: الثَّالِثُ اخْتِصَاصُ الخَلْقِ بِالوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، هَلْ يُمْنَعَ منَ الإِحْيَاءِ؟ فِيهِ تَرَدُّدٌ، وَالأَظْهَرُ: أنَّهُ إِذَا لَمْ يُضَيَّقْ لاَ يُمْنَعُ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: موات الحَرَمِ يُمْلَكُ بالإحياء، كما أنَّ معموره يُمْلَك بالبيع والهِبَة، وهَلْ تملك أراضي "عرفة" بالإحْياء كسائر البقاع أم لا؛ لتعلُّق حقِّ الوقوف بها؟ فيه وجهان: