قال الغزالي: وَلَوْ كَانَ المَبِيعُ عَبْداً فَأُحِيلَ بِالثَّمَنِ عَلَى المُشْتَرِي فَقَالَ العَبْدُ: أَنَا حُرُّ الأَصْلِ وَصَدَّقُوهُ جَمِيعاً بَطُلَتِ الحِوَالَةُ، وَإِنْ صَدَّقَهُ البَائِعُ وَالمُشْتَرِي دُونَ المُحْتَالِ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُمَا حُجَّةً عَلَيْهِ فَتَبْقَى الحِوَالَةُ في حَقِّهِ.
قال الرَّافِعِىُّ: صورتها: أن يبيع عبداً، ويحيل غريمه بالثمن على المُشْتَرِي، ثم يتصادق المتبايعان على أنه حُرُّ الأَصْلِ، إما ابتداءً أو يزعم العبد أنه حُرٌّ فصدقاه، نظر إن وافقهما المُحْتَال بطلت الحوالة لاتفاقهم على بُطْلاَنِ البَيْعِ وإذا لم يكن بيع لم يكن على المشتري ثَمَنٌ، وإذا بطلت الحوالة رد المحتالُ ما أخذ على المُشْتَرِي، وبقي حقه على البَائِع كَمَا كَانَ، وإن كَذَّبَهُمَا المحتال فأما أن تقوم بينة على الحرية أولاً تَقَوم، فإن قَامَتْ بطلت الحوالَة، كما لو تقارروا، وهذه البينة يتصور أن يقيمها العبد، ويتصور أن تبتدئ الشُّهُود على سبيل الحسبة، قال صاحب "التهذيب": ولا يتصور أن يقيمها المتبايعان؛ لأنهما كذباها بالدّخُولِ في البيع، وكذلك ذكر القَاضِي الرّويَانِي، وإن لم تكن بينة فلهما تَحْلِيف المُحْتَال على نفي العِلْمِ، فإن حلف بقيت الحَوالَة فِي حَقِّه، ولم يكن تصادقهما عليه حجة، فإذا نفيت الحوالة فله أَخْذُ المَالِ من المُشْتَرِي، وهل يَرْجِعُ المُشْتَرِي على البَائِع المُحِيل؟ في "التهذيب" أنه لا يرجع؛ لأنه يقول: ظلمني المُحْتَال بما أخذ، والمَظْلُوم لا يرجع إلَّا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ، وقال الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ والقَاضِي ابْنُ كِجٍّ والشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: يرجع؛ لأنه قضى دَيْنَه بِإِذْنِه، وعلى هذا فيرجع إذا دفع المال إلى المُحْتَالِ، وهل يرجع قبله؟ فيه الوَجْهَان السَّابقان، فإن نكل المحتال حَلَفَ المُشْتَرِي، ثم إن جَعَلْنَا اليمين المردودة كالإقْرَار بطلت الحوالة، وإن جعلناها كالبينة فالحكم كما لو حلف؛ لأنه ليس للمُشْتَرِي إقامة البينة، وما ذكرناه في صورة اقرار المحتال، وقيام البينة من بطلان الحوالة مفروضٌ فِيمَا إذا وقع التعارض لكون الحوالة بالثمن، فإن لم يقع وزعم البائع أن الحوالة بِدَيْنٍ آخر لهَ عَلَى المُشْتَرِي نظر إن أنكر المُشْتَرِي أصل الدَّيْنِ فالقول قوله مع يمينه، وإن سلمه وأنكر الحوالة به فإن لم نعتبر رضي المحال عليه، فلا عبرة بانكاره، وإن اعتبرناه فهل القول من يدعي جريان الحوالة على الصِّحّة، أو قول من يدعي فَسَادَهَا؟ فيه خِلاَفٌ مذكور في نظائره.
قال الغزالي: فَرْعٌ -إِذَا جَرَى لَفْظُ الحِوَالَةِ وَتَنَازَعَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَرَدْنَا بِهِ الوَكَالَةَ وَقَالَ الآخَرُ: بَلِ الحِوَالَةَ، فَقَوْلاَنِ فِي أَنَّ القَوْلَ قَوْلُ مَنْ، يُنْظَرُ فِي أَحَدِهِمَا إلَى ظَاهِرِ اللّفْظِ، وَفِي الثَّانِي إِلَى تصْديقِ مَنْ يَدَّعِي إرَادَةَ نَفْسِهِ ونَيَّتَهُ فَإِنَّه أَعْلَمُ بِهَا، وَلَوْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى جَرَيَانِ لَفْظِ وَلَكِنْ قَالَ مُسْتَحِقُّ الدَّيْنِ: أَحَلْتَنِي وَقَالَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ: وَكَّلْتُكَ بِاسْتِيفَاءِ دَيْنِي مِنْهُ فَالقَوْلُ قَوْلُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فِي نَفْيِ الحِوَالَةِ، ثُمَّ إِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ قَبَضَ