فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لأنَّهُ انْعَزَلَ بِإِنْكَارِ الوِكَالَةِ وَانْدَفَعَتِ الحِوَالَةُ بِإِنْكَارِ مَن عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالمَالِ إِذَا انْدَفَعَتِ الحِوَالَةُ حَتَّى لاَ يَضِيعَ حَقُّهُ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّهُ لاَ يُطَالَبُ لأِنَّهُ اعْتَرَفَ بِبَرَاءَتِهِ بِدَعْوَى الحِوَالَةِ، أَمَّا إِذَا قَالَ المُسْتَحِقِّ: وَكَّلْتَنِي فَقَالَ: لاَ بَلْ أَحَلْتُكَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ قَبَضَ فَقَدِ امْتَنَعَ عَلَيْهِ القَبْضُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ القَبْضِ فَالصَّحِيحُ (و) أَنَّهُ يَتَمَلَّكُهُ الآنَ وإِن لَمْ يَمْلِكْ عِنْدَ القَبْضِ.

قال الرَّافِعِىُّ: إذا كان لزيد عليك مِائَة، ولك عَلَى عَمْروٍ مِثْلها، فوجد زيْدٌ منك ما يمكنه من قبض مَا عَلَى عَمْروٍ، ثم اختلفتما فله صورتان:

أحدهما أن تقول لزيد: وكلتك بقبضه لي، وقال زيد: بل أحلتني عليه، فينظر إن اختلفتما في أَصْلِ اللفظ، فزعمت الوكالة بلفظها، وزعم زيد الحوالة بلفظها، فالقول قَوْلُكَ مَعَ يَمِينِكَ؛ لأن الأصْلَ استمرار حَقِّ زَيْدٍ عَلَيْك، وَحقِّكَ عَلَى عَمْروٍ، وإن اتفقتما على جريان لفظ الحوالة، وقلت: أردت به التسليط بالوكالة فوجهان:

المنسوب إلى ابْنِ سُرَيْجٍ أن القولَ قولُ زَيْدٍ مع يمينه لشهادة لَفْظِ الحوالة.

وقال المُزَنِي -وساعده عليه أكثر الأصْحَاب-: أن القول قَوْلُكَ مَعَ يمِينِكَ، ويحكى هذا عن أَبِي حنيفة، ووجهه ما ذكرناه في الصُّورة الأولى، وأيضاً فإن اللفظ محتمل لما يقوله، وأنت أعرف بنيتك، فأشبه ما إذا قُلْتَ له: اقبض ثم اختلفتما في المُرَادِ، فإن القول قولُك، وعن القَاضِي حسين: القطع بالوجه الأول، وحمل كلام المُزَنِي على ما إذا اختلفتما في أصْلِ اللَّفْظِ، وذكرهما إذا قلت له: اقبض، وفسرته بالوكَالة أنك لا تَحْتَاج إلى اليَمِين؛ لإشْعَارِ اللفظ بالنَّيَابَةِ.

قال الأئمة: وموضع الوجهين ما إذا كان اللفظ الجَارِي بينكما: أحلتك بمائة عَلَى عَمْروٍ، فأما إذا قُلْت بالمائة التي لك عليّ بالمائة التي على عمرو، فهذا لا يحتمل إلا حقيقة الحوَالة، فالقول قَوْلُ زَيْدٍ بِلاَ خِلاَفٍ.

التفريع: إن جعلنا القولَ قولَ زَيْدٍ، فإذَا حلف ثبتت الحَوالة وبرئت ذمته، وإذا جعلنا القَولَ قولَكَ في الصُّورة الأُولى أو تفريعاً على الوجه الثاني في الصورة الثانية، فحلفت نظر أَقَبِضَ زَيْدٌ مَا عَلَى عَمْروٍ أَمْ لاَ؟ إن قبضه برئت ذمة عمرو، لتسليمه ما عليه إلى الوَكِيل أو المُحْتَالِ، وحكى الإمام وجهاً ضعيفاً عن رواية صاحب "التقريب": أنه لا يبرؤ في صورة اتفاقكما، على جريان لفظ الحوالة، والمشهور الأول، ثم ينظر إن كان المقبوض باقياً فعليه تسليمه إليك، وهل له أن يطالبك بِحَقِّه؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا؛ واختاره الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لاعترافه ببراءتك بدعوى الحوالة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015