هذا حوالة الأردأ على الأجود، وبالعكس في كُلِّ جنس.

وقوله في الكتاب: (فلو كان بينهما تفاوت إلى آخره) تفصيل ما أجمله بقوله: (أن يكون ما على المحال عليه مجانساً لما على المحيل قدراً ووصفاً). ومثال ما يفتقر في أدائه عنه إلى المعاوضة: أن يختلف الجِنْس، فيكون على أحدهما دَرَاهم، وعلى الآخر دَنَانير، فإن الاستبدال بأحد الجنسين عن الآخر اعتياضٌ محض.

وقوله: (وإن لم يفتقر بل أجبر على قبوله كأداء الجَيِّدِ عن الرديء) فهو مثل أداء الصحيح عن المكسر، وتعجيل المُؤَجَّل، حيث يجبر المستحق على القَبُول، وهذا الكلام يتفرع على الصَّحِيح في أن المديون إذا أتى بِأَجْوَد مما عليه من ذَلِكَ النوع يجبر المستحق على قبوله، وفيه خلاف قَدْ سبق في بَابِ السَّلَمِ.

وقوله: (وإن افتقر إلى الرضا دون المعاوضة) فهو كأداء الرديء عن الجَيّد، فإنه يجوز قبوله، ولا يكون ذلك معاوضة هذا بيان مَا ذَكره، وفيه رواية خِلاَف للأصحاب في جواز الحوالة بالجيد على الرديء، والإشارة إلى الجَزْم، تجوز حوالة الرَّدِيء على الجَيِّد وهو يخالف نقل الجمهور في الطرق، وربما تجد في كتاب ما يوافقه.

قال الغزالي: أَمَّا حُكْمُهَا فَبَرَاءَةُ المَحِيْلِ (ح) عَنْ دَيْنِ المُحَالِ وَتَحوُّل الحَقّ إِلَى المُحَالِ عَلَيْهِ وَبَرَاءَةُ ذِمَّةِ المُحَالِ عَلَيْهِ من دَيْنِ المُحيلِ، فَلَوْ أَفْلَسَ المُحَالَ (ح) عَلَيْهِ أَوْ جَحَدَ لَمْ يَكُنْ (ح) لِلْمُحْتَالِ الرُّجُوعُ عَلَى المُحِيلِ إِذْ حَصَلَتِ البَرَاءَةُ مُطْلَقَةً، وَلَوْ كَانَ الإِفْلاَسُ مَقْرُوناً بِالحِوَالَةِ وَهُوَ جَاهِلٌ فَالأَظْهَرُ ثُبُوتُ الخِيَارِ.

قال الرَّافِعِىُّ: إذا جرت الحوالة بشرطها بَرِئَ المحيل عن دَيْنِ المُحْتَال، وتحول حتى المحتال إلى ذِمَّة المُحِيل عَلَيْهِ، وبرئ المُحَال عَلَيهِ عن دَيْنِ المُحِيل، حتى لو أفلس المُحَال عَلَيْه ومات أو لم يَمُت أو جَحَد وَحَلَف لم يكن للمُحْتَالِ الرُّجُوعُ عَلَى المُحِيل، كما لو أخذ عوضاً عن الديْنِ وتلف فِي يَدِهِ، وبهذا قَالَ مَالِكٌ وأحمد، وذهب أبو حنيفة إلى أنه يرجع فيما إذا مَاتَ مِفْلساً، وفيما إذا جَحَد وحلف.

واحتج الشَّافعي -رضي الله عنه- بوجهين:

أحدهما: إِنَّ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المروي في أول الباب تعرض للملاءة فقال: "إِذَا أحِيلَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِئٍ فَلْيَحْتَلْ" (?) ولو تمكن المحتال من الرّجوع لما كان للتعرض للملاءة كبير فائدة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015