والثاني: أن الحوالة إما أن يتحول بها الحَقّ على المُحِيل أو لا يَتَحَوَّل، إن تحول فقد بَرِئت ذِمَّته فوجب ألا يعود إليه كما لو أبرأه، وإن لم يتحول فلتدم المطالبة كما في الضَّمَانِ، فلو شرط في الحوالة الرجوع بتقدير الإفلاس والجُحُودِ، ففي صحة الحوالة وَجْهَان، وإن صحت ففي صِحّة الشَّرْطِ وَجْهَان، حكاهما القاضي ابْنِ كَجٍّ.
هذا إذا طرأ الإفلاس، أما إذا كان مقروناً بالحوالة وجهله المحتال نظر إن لم تجرِ بَشْرطِ الملاءة، فالمشهور أنه لا رِجوعَ للمحتالِ ولا خِيارَ لَهُ، وما يلحقه من الضَّرَرِ فهو نتيجة ترك التفحيص، فصار كما لو اشترى شيئاً وكان مغبوناً فيه، ونقل الإمام وجهاً أنه يثبت له الخيار تداركاً، لما لحقه من الخُسْرَان، كما لو اشترى شيئاً فَبَانَ معيباً، وبهذا قال مَالِك، وإن شرط ملاءة المُحَالِ عَلَيْهِ فبان مفلساً، فإن قلنا: بثبوت الخيار عند الإطلاق فهاهنا أولى، وإن منعنا ثُمَّ فما الحكم؟ نقل المُزَنِيُّ: أنه لا يرجع فأنكره ابْنُ سُرَيْجٍ من قول الشَّافعي -رضي الله عنه- وقال: يرجع كما لو اشترى عبداً بشرط أنه كاتب فبان خلافه ثبت له الخيار، وعامة الأصحاب على صِحِّة نَقْل المُزَنِي، واختاروا عدم الرجوع؛ لأنه لو ثبت الرجوع بالخلف في شرط اليسار، لثبت الرجوع عند الإطْلاَق؛ لأن الإعسار نقص في الذمة كالعيب في المبيع يثبت الخِيار، سواء شرطت السّلامة عنه أو لم تشترط، ويخالف شَرْط الكتابة، فإن فواتها ليس بنقيصة، وإنما هو عَدَم فضيلة، وإذا جمع بين صورتي الإطْلاَق والاشتراط، حصل في ثبوت الخيار ثلاثة أوجه.
ثالثها: الفرق بين الصّورتين، وقد جمع الإمام الوجوه هكذا، وقرب التردد في المسألة من التردد في أن الحوالة استيفاء أو اعتياض، فقولُ صَاحِب الكتاب: (فالأظهر ثبوت الخِيار) أراد من هذه الوجوه على ما هو مبين في "الوسيط"، وترجيح الوَجْه الصَّائر إلى ثبوت الخِيَار يخالف اختيار عامة الأصحاب، سِيَما في حالة الإطْلاَق فاعرف ذلك. فرعان:
أحدهما: صَالَح مع أجنبي عَنْ دين علَى عَيْن، ثم جحد الأجنبىُّ وَحَلَفَ، هل يعود إلى من كان عليه الدين؟ قال القَاضِي حسين: نعم، ويفسخ الصُّلْح، وعن حكاية الشيخ أَبي عَاصِمٍ أنه لا يعود (?).
الثاني: خرج المحال عليه عبداً فإن كان لأجنبي وللمحيل دين في ذمته صحت الحوالة، كما لو أحال على معسر وتبعه المحتال بعد العِتْقِ، وهل له الرجوع على المُحِيل؟ فيه خلاف مرتب على ما إذا بَانَ مُعسراً، وأولى بأن يرجع، وإن كان عبداً