قال الغزالي: الثَّالِثُ -أَنْ يَكُونَ مَا عَلَى المُحَالِ عَلَيْهِ مُجَانِساً لِمَا عَلَى المَحِيْلِ قَدْراً وَوَصْفاً، فَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ يَفْتَقِرُ فِي أَدَائِهِ عَنْهُ إِلَى المُعَاوَضَةِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ لَمْ يَفْتَقِرْ بَلْ أُجْبِرَ عَلَى قَبُولِهِ كَأَدَاءِ الجَيِّدِ عَنِ الرَّدِيءِ جَازَ (و)، وَإِنِ افْتَقَرَ إِلَى الرِّضَا دُونَ المُعَاوَضَةِ فَفِيْهِ خِلاَفٌ (و).

قال الرَّافِعِىُّ: كان الفصل السابق مسوقاً لبيان الصِّفات المشروطة في كل واحد من الدينان، فالغرض الآن بَيَان الشروط بالدَّيْنين وفيه صور:

إحداها: يجب أن يكون الدينَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، ولو أحال بالدَّرَاهِمِ على الدنانير أو بالعكس لم يصح.

أما إذا جَعَلْنَا الحوالة استيفاءً، فلأن مستحق الدّراهم إذا استوفاها وأقرضها فمحال أن ينتقل حقه إلى الدَّنَانِير.

وأما إذا جعلناها مُعَاوضة، فلأنها وإن كانت معاوضة فليس هِيَ على حقيقة المُعَاوضات التي يقصد بها تحصيل ما ليس بحاصل من جنس مَالٍ أو زيادة قَدْرٍ أو صِفَةٍ، وإنما هي معاوضة إرفاق ومسامحة للحاجة، فاشترط فيها التجانس والتساوي في القدر والصِّفَة كما في القرض، قال صاحب "التتمة": ونعني بقولنا: إن هذه الحوالة غَيْرُ صَحِيحة أن الحَقَّ لا يتحول بها من الدنانير إلى الدَّراهم وبالعكس، ولكنها إذا جرت فَهِيَ حوالة عَلَى مَنْ لاَ دَيْنَ عَلَيْهِ، والحُكْمُ فِيهَا مَا مَرَّ.

والثانية: يجب أن يتساويا في القَدْرِ فلا يحال بخمسة على عَشْرة ولا بعشرة على خَمْسَةٍ، لما ذكرنا أن هذا العقد لم يوضع لتحصيل زيادة أو حَطِّ شيء، وإنما وضع لِيَصِل كل واحد من المستحقين إلى حقه، وفي الإحالة بالقليل على الكثير وجه أنها جائزة، وكأن المحيل تبرع بالزِّيادة.

والثالثة: في اشتراط تساويهما في الحُلُولِ والتأجيل وجهان:

أصحهما: الاشتراط إلحاقاً للوَصْفِ بالقدر.

والثاني: يجوز أن يُحيِل المُؤَجَّلِ على الحَالِّ، لأن للمحيل أن يعجل ما علَيْهِ، فإذا أحال به على الحَالِّ فقد عَجَّل، ولا يجوز أن يحيل بالحَالِّ على المؤجل؛ لأن حق المُحْتَالِ حَالٌّ، وتأجيل الحَالِّ لا يلزم، ولو كانا متأجلين بأجلين مُخْتلفين، لم تجز الحوالة بينهما على الوجه الأول، وعلى الثاني يجوز أن يحال بالأبعد على الأقرب دون العكس، ولو كان أحدهما صحيحاً والآخر مكسراً فلا حوالة بينهما على الوجه الأول يحال بالمكسر على الصَّحِيح، ويكون المُحِيلُ متبرعاً بِقَيْدِ الصِّحة، ولا يحال بالصحيح على المكسر، وإلا كان المُحْتَالُ تاركاً صفة الصِّحة، رتبوه ليحيله المُحِيل، ويخرج على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015