قال الغزالي: فَإِنْ قِيلَ: هَلْ يُشْتَرَط أَنْ يَكُونَ المَرْهُونُ مِلْكًا لِلرَّاهِنِ؟ قُلْنَا: لاَ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَو اسْتَعَارَ الرَّهْنَ جَازَ، وَفِي تَغْلِيبِ حَقِيقَةِ الضَّمَانِ أَو العَارِيَةِ تَرَدُّدُ قَوْلٍ، وَالأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: هُوَ فِيمَا يَدُورُ الرَّاهِنَ وَالمُرْتَهَنِ رَهْنٌ مَحْضٌ وَفِيمَا بَيْنَ المُعِيرِ والمُسْتَعِيرِ عَارَيةٌ، وَفِيمَا بَيْنَ المُعِيرِ وَالمُرْتَهَنِ حُكْمُ الضَّمَانِ أَغْلَبُ فَيَرْجِعُ فِيهِ مَا دَامَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ، وَلاَ يَرْجِعُ بَعْدَ القَبْضِ عَلَى الأَصَحِّ؛ لأَنَّهُ ضَمنَ لَهُ الدَّيْنَ فِي عَيْنِ مِلْكِهِ وَيقْدِرُ علَى إِجْبَارِ الرَّاهِنِ عَلَى فَكِّهِ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ؛ لأَنَّهُ مُعِيرٌ فِي حَقِّهِ إنْ كَان الدَّيْنُ حَالاً، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلاً فَقَوْلاَنِ، وَلاَ يُبَاعُ فِي حَقِّ المُرْتَهَنِ إِلاَّ إِذَا أَعْسَرَ الرَّاهِنُ، وَلَوْ تَلَفَ فِي يَدِ المُرْتَهَنِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ عَلَى الأَصَحِّ، وَإِنْ تَلَفَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ ضَمِنَ لأنَّهُ مُسْتَعِيرٌ، وَالأَصَحُّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الإِعَارَة ذِكْرُ قَدْرِ الدَّيْنِ وَجِنْسِهِ وَمَن يَرْهَنُ عِنْدَهُ لأَنَّ مَعْنَى الضَّمَانِ ظَاهِرٌ فِيهِ وَالغَرَضُ يَخْتَلِفُ بِهِ.

قال الرَّافِعِيُّ: لما كان حجة الإسلام يتكلم في هذا الركن في شرائط المرهون، بحث عن أنه هل يشترط كون المَرهُون مِلْكاً للراهن؟

والجواب الجملي: أنه ليس بشرط على المذهب.

والتفصيل: أنه إذا استعار عبد الغير ليرهنه بدينه فرهنه، فسبيل هذا العَقْد سبيل العَارِية أو الضَّمَان فيه قولان:

أحدهما: سبيل العَارِية؛ لأنه قبض مال الغير بإذنه لينتفع به ضرب انتفاع فأشبه، ما لو استعاره للخدمة.

وأصحهما: أنَّ سبيله سبيل الضَّمَان، ومعناه أنه ضمن دين الغَيْر في رقبة ماله، كما لو أذن لعبده في ضَمَان دين غيره يصح وتكون ذمته فارغة، وكما ملك أن يلزم ذمته دين الغير وجب أنْ يملك التزامه في عين ماله؛ لأن كل واحد منهما محل حقّه وتصرفه، ولو قال المديون لغيره: ارهن عَبْدك بِدَيْني من فلان فهو كما لو قبضه ورهنه.

وقوله: في الكتاب (وفي تَغْليب حقيقة الضَّمَان أو العارية تردد) قول أشار به إلى ما ذكره الإمام منْ أنَّ في العقد شبهاً من هذا وشبهاً من ذاك، وليس القولان في أنه يتمحّض عارية أو ضماناً وإنما هما في أن المغلب أيهما.

وقوله: (والأولى أن يقال: هو فيما يدور بين الرَّاهِن والمرتهن) ليس للإشعار بتردد في هذه القضية، ولكن أراد أنه لا ينبغي أنْ نحكم بتغليب أحد الطرفين على الإطلاق، بل نفصل التفصيل الذي ساقه.

وقوله: (وفيما بين المعير والمستعير) إلى آخره غير مساعد عليه، بل على قول

طور بواسطة نورين ميديا © 2015