الضَّمَان المعير ضامن في عين ماله، والمستعير مضمون عنه، وليس ما بين المُعِيْر والمُسْتَعِيْر عارية محضة على ما سنبيّن في التفريع إن شاء الله -تعالى-.

وذكر في الوسيط أن القولين مستخرجان من تردُّد الشَّافعي -رضي الله عنه- في أحكام المَسْألة، لكن الشيخ أبا حامد في آخرين نقلوهما عن الرَّهْن الصغير منصوصين، ثم لهما فروع كثيرة ذكر بعضها في الكتاب فنشرحه ونضم إليه ما يتفق.

فمنها: أن على القولين جميعاً هذا التصرف جائز، ويخالف ما لو باع مال الغَيْر لنفسه؛ لأن البيع معاوضة فلا يملك الثَّمن من لا يملك المثمن، والرهن اسْتِيثاق يحصل بما لا يملك كما يحصل بالكَفَالة والإِشْهَاد، وعن ابن سُرَيْجٍ أنا إذا جعلناه عارية لم يصح هذا التصرف لأن الرهن ينبغي أنْ يلزم بالقبض، والعارية لا تلزم فعلى هذا يشترط في الرهن كون المرهون ملكاً للراهن.

والصَّحيح: الأول الكلام في أن هذه العارية هل تلزم؟ سيأتي إنْ شاء الله -تعالى-. ثم العارية قد تحرم كما إذا أعار بُقْعَة لدفن ميت ودفن فيها.

ومنها: لو أذن في رَهْن عبده، ثم رجع عنه قبل الرَّهْن أو بعده، وقبل أن يقبضه المرتهن كان له ذلك. أما على قول العارية فظاهر. وأما على قول الضَّمَان فلأنه بعد لم يلزم ألا ترى أنَّ المستعير مخيَّر في فسخ الرهن قبل القبض؟

وإذا لم يلزم في حقه وهو المديون، فأولى أن لا يلزم في حق غيره.

وأما بعد قبض المرتهن فلا رجوع على قول الضَّمَان، وعلى قول العَارِيَةِ وَجْهَان:

أحدهما، وبه قطع الشيخ أبو محمد: أن له أن يرجع جرياً على مقتضى العارية.

وأظهرهما، وبه قال القاضي: لا يرجع وإلاَّ لمْ يكن لهذا الرهن معنى، ولا يحصل به توثق. وعن صاحب "التقريب": أنه إذا كان الدَّيْن مؤجلاً؛ ففي جواز الرُّجُوع قبل حلول الأجل وجهان لما فيه من الإذن بمدة كما لو أعار للغِرَاس مدة، ومتى حكمنا بالرجوع فرجع، وكان الرهن مشروطاً في بيع، فللمرتهن فسخ البيع إذا كان جاهلاً بالحال والله أعلم. ومنها: هل للمالك إجبار الراهن على فك الرهن؟

أما من قال له أنْ يرجع ويسترد المال متى شاء بناء على قول العارية، فلا حاجة عنده إلى هذا.

وأما من لم يقل بذلك فإن قلنا: إنه عارية فله إجباره على الفَكّ.

وإنْ قلنا: إنه ضمان، فإنْ كان الدَّيْن حالاً فكذلك لاستخلاص ملكه المشغول بوثيقه الرَّهْن ولا يخرج على الخِلاَف في أنَّ الضَّامن هل يملك إِجْبَار الأصيل على الأداء لتبرئة ذِمَّته بسببها للشّغل الَّذِي أثبته بأداء الدين؟ وإنْ كان مؤجلاً فليس له إجباره

طور بواسطة نورين ميديا © 2015