قال الغزالي: وَنَبَاتُ الحَرَمِ أَيْضًا يَحْرُمُ قَطْعُهُ أَعْني مَا يَنْبُتُ بنَفْسِهِ دُونَ مَا يُسْتَنْبَتُ، وَيُسْتَثنَى عَنْهُ الإِذْخِر لِحَاجَةِ السُّقُوفِ، وَلَو اخْتَلَى الحَشِيشُ لِلْبَهَائِمِ جَازَ (ح) عَلَى أَحَدِ الوَجْهَيْنِ، كمَا لَوْ سَرَّحَهَا فِيهِ، وَلَوِ اسْتَنْبَتَ مَا يَنْبُتُ أَوْ نَبَتَ مَا يُسْتَنبَتُ كَانَ النَّظَرُ إِلَى الجِنْسِ (و) لاَ إِلَى الحَالِ حَتَّى لَوْ نَقَلَ أَراكَاً حَرَمِيّاً وَغَرَسَهُ في الحِلِّ لَمْ يَنْقَطِع حُكْمُ الحَرَمِ، ثُمَّ في قَطْعِ الشَّجَرَةِ الكَبِيرَةِ بَقَرَةٌ (م ح) وفي الصغيرة شاة (م ح)، وَفِيمَا دُونَهُمَا القِيمَةُ كَمَا في الصَّيْدِ، وَفي القَديمِ لاَ يَجِبُ (ح) في النَّبَاتِ ضَمَانٌ.

قال الرافعي: قطع نبات الحرم حرام كاصطياد صيده للخبر الذي قدمناه، وهل يتعلق به الضمان؟ فيه قولان:

أصحهما: وبه قال أبو حنيفة وأحمد -رحمهما الله-: نعم؛ لأنه ممنوع من إتلافه لِحُرْمَةِ الحُرَمِ، فيجب به الضَّمَانُ كَالصَّيْدِ.

والثاني: ويحكي عن القديم: لا، وبه قال مَالِك، لأن الإحْرَام لا يوجب ضمان الشَّجرة فكذلك الحرم.

إذا عرفت ذلك فنفصِّل ونقول: النبات شجر وغيره؛ أما الشجر فيحرم التعرض بالقطع، والقلع لِكُلِّ شجر رطبٍ غير مُؤذٍ حَرَمِي، فيخرج بقيد الرطب الشّجر اليابس فلا شيء في قطعه، كما لو قدّ صيداً ميتاً نصفين، وبقيد غير المؤذي العَوْسَج، وكل شجرة ذَات شَوْكٍ فإنها بمثابة الفواسق وسائر المؤذيات فلا يتعلق بقطعها ضَمَان.

هذا هو المشهور، ونقل صاحب "التتمة" وجهاً آخر أنها مضمونة، وزعم أنه الصَّحِيح لإطْلاَقِ الخَبَرِ، ويفارق الحيوانات، فإنها تقصد بالأذية ويخرج بقيد الحرمي أشْجَار الحِل، ولا يجوز أن يقطع شجرة من أشْجَارِ الحَرَمِ، وينقلها إلى الحِلِّ محافظة على حرمتها، ولو نقل فعليه الرَّدُّ بخلاف ما لو نقل من بقعة من الحرم إلى أخرى لا يؤمر بالرد، وسواء نقل أشجار الحرم وأغصانها إلى الحِلِّ أو الحرم، فينظر إن لم ينبت فعليه الجَزَاء، وإن نبت في الموضع المنقول إليه فلا جَزَاءَ عَلَيْهِ، ولو قلعها قَالِعٌ لزمه الجَزَاءُ استبقاءً لِحُرْمَةِ الحرم، وعلى عكسه لو قَلَعَ شجرةً من الحِلِّ وغرسها في الحَرَمِ فنبتت فلا يثبت لها حُكْمُ الحَرَمِ، بخلاف الصَّيْدِ يدخل الحرم، فَيَجبُ الجَزَاءُ بالتَّعَرُّضِ لَهُ؛ لأن الصَّيْدَ ليس بأصل ثَابتٍ، فالوجه اعتبار مكانه، والشَّجَر أَصْل ثابت فله حكم منبته، حتى لو كان أصْلُ الشَّجَرَةِ في الحَرَمِ وأغصانها في الحل فقطع من أغصانها شيئاً فعليه ضَمَانُ الغُصْنِ، ولو كان عليه صيد فأخذه فلا جزاء عليه، وعلى عكسه لو كان أصلها في الحل، وأغصانها في الحَرَم، وقطع غصناً منها فَلاَ شَيْءَ، ولو كان عليه صيد فأخذه فعليه الجَزَاء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015