الميقات ومكَّة ولم يعد لزمه دم الإسَاءة بالمجاوزة، وهل ينجبر به الخلل حتى لا يُحَط شيء من الأُجْرَة؟ نص في "المختصر" على أنه لا ينجبر بل يرد من الأجرة بقدر ما ترك، ونقل عن القديم أنه يلزمه دم وحجته تَامَّة ولم يتعرض للأجرة، واختلفوا على طريقين.

أظهرهما: أن المسألة على قولين:

أحدهما: أن الدَّم يجبر الإساءة الحَاصِلَةَ ويصير كأن لا مخالفة ويستحق تمامَ الأُجْرَةِ.

وأظهرهما: أنه يحط؛ لأنه استأجره لِعَمَل وقد نقص منه فصار كما لو استأجره لبناء أذرع فَنَقَصَ منها، والدم إنما وَجَبَ لِحَقِّ الله تَعَالى فلا ينجبر بها حق الآدمي، كما لو حنى المُحْرِمُ على صَيْدٍ مَمْلُوكٍ يلزمه الضَّمان مع الجزاء.

والثاني: وبه قال أبو إسحاق القطع بالقول الثَّاني إلا أنه سكت عن حكم الأُجْرةَ في القَدِيم.

فإن قلنا: بحصول الانجبار فهل ننظر إلى قيمة الدَّمِ ونقابلها بقدر تفاوت الأجرة؟ حكى الإمام فيه وجهين:

أحداهما: وبه قال ابْنُ سُرَيج نعم حتى لا ينجبر ما زَادَ على قِيمَةِ الدَّمِ.

وأظهرهما: لا؛ لأن المعوّل في هذا القَوْل على انجبار الخَلَل، والشَّرع قد حكم به من غير نظر إلى القِيمَة وإن قلنا بعدم الانجبار وحَطَطْنَا شَيْئاً ففي القدر المَحْطُوطِ وَجْهَانِ مَبْنيَّانِ على الأصْلِ الذي سبقت الإشارة إليه وهو أن الأجْرَة في مقابلة ماذا؟

إِنْ أوقعناها في مقابلة الأعمال وحدها وَزَّعْنا المسمى على حَجَّةٍ من الميقات وحَجَّةٍ من حيث أحرم.

وإن وَزَّعناها على السير والعمل جميعاً -وهو الأظهر- وزعنا المُسَمَّى على حَجَّة مِنْ بلدةِ الإجازة يكون إحرامها من الميقات، وعلى حجة منها يكون إحرامها من حيث أحرم، وعلى هذا يقل المحطوط بخلاف ما لو وَزَّعْنَا على السير والعَمَلِ جَمِيعاَ ثم لم نحتسب بقطع المَسَافة في الصُّورة الأولى فَإنه يُكْثرُ المحطوط، وإذا نسبت هذه الصّورة إلى الأولى ترتب الخلاف في إِدْخَال المَسَافَةِ في الاعْتبار على الخلاف في الأولى، كما ذكره في الكتاب، وهذه أولى بالاعتبار؛ لأنه لم يصرف إلى نفسه، ثم حكى الشيخ أبو محمد -رحمه الله- وجهين في أن النَّظر إلى الفَرَاسِخِ وحدها أم يعتبر مع ذلك السهولة والحزونة؟ والأصح الثاني.

واعلم أن الجمهور أوردوا في مسألة الانجبار على طريقة إثبات الخلاف قولين،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015