وصاحب الكتاب أطلق وجهين لكن الأمر فيه هَيِّن فإنهما لَيْسَا بمنصوصين، ويجوز أن يعلم قوله: (وجهان) بالواو بطريقةُ نفِي الخِلاَف.

ولو عدل الأجير عن طريق الميقات المتعين إلى طريق آخر ميقاته مثل ذلك الميقات أو أبعد فالمذهب أنه لا شيء عَلَيْهِ، هذا كله في الميقات الشرعي.

أما إذا عينا موضعاً آخر نظر إن كان أقرب إلى مكة من الميقات الشرعي فهذا الشَّرْطُ فاسد مُفْسِدٌ للإجارة إذ ليس لِمَنْ يريد النسك أن يمر على الميقات غير محرم.

وأن كان أبعد كما لو عينا الكوفة فهل يجب على الأجير الدّم في مجاوزتها غير محرم؟ فيه وجهان قد حكاهما المَسْعُودِي وغيره -رحمهم الله-.

أحدهما: لا يجب؛ لأن الدم منوط بالميقات المحترم شرعاً فلا يلحق به غيره، ولأن الدَّم يجب حقّاً لله تعالى، والميقات المشروط إنما يتعين حقاً للمستأجر، والذم لا يجبر حق الآدمي.

وأظهرهما: وهو نصه في "المختصر": أنه يلزمه؛ لأن تعينه وإن كان لحق الآدمي فالشَّارع هو الذي حَكَمَ بِهِ وتَعَلَّق بِهِ حَقَّه.

فإن قلنا: بالأول حط قسط من الأجْرَة لاَ مَحَالَة.

وإن قلنا: بالثاني ففي حصول الانجبار الوجهان، وكذلك لو لزمه الدّم بسبب ترك مَأمُور كَالرَّمْي والمبيت، وإن لزمه بسبب ارتكاب محظور كاللبس والقَلْمِ لم يحط شيء من الأُجْرَة؛ لأنه لم ينقص من العَمَلِ.

ولو شرط على الأجير أن يحرم في أول شوال فأخَّرَه لَزِمَهُ الدّم، وفي الانجبار الخلاف المذكور، وكذا لو شرط أن يحج ماشياً فحج راكباً؛ لأنه ترك شيئاً مقصوداً، حكى الفرعان عن القاضي الحسين، ويشبه أن يكونَا مفرعين على أن الميقات الشرطي كالميقات الشَّرْعِي وإلا فلا يلزم الدّم كما في مسألة تعيين الكُوفة -والله أعلم-.

قال الغزالي: الثَّالثَةُ إِذَا أمِرَ بِالقِرَانِ فَأَفْرَدَ فَقَدْ زَادَ خَيْراً، وَإِن قرَنَ فَدَمُ القِرَانِ عَلَى المُسْتَأجِرِ عَلَى أَصَحِّ الوَجْهَين وَلَو أُمِرَ بالإِفْرَادِ فَقَرَنَ فَالدَّمُ عَلَى الأَجِيرِ، وَبَرِئَتْ ذِمَّةُ المُسْتَأجِرِ عَنِ الحَجّ بِالعُمْرَةِ، لِأَنَّ القِرَانَ كالإِفْرَادِ شَرْعاً وَفي حَطِّ شَيْءٍ مِنَ الأُجْرَةِ مَعَ جَبْرِهِ بالدَّمِ الخِلاَفُ السَّابقُ، وَإِنْ أُمِرَ بِالْقِرَانِ فَتَمَتَّعَ كانَ كَالقِرَانِ عَلَى وَجْهٍ، وَفِي وَجْهٍ جُعِلَ مُخَالِفاً لَه وَعَلَيهِ الدَّمُ، وَيَعُودُ الخِلاَفُ في حَطِّ شَيْءٍ مِنَ الأُجْرَةِ.

قال الرافعي: قد أمر الاستئجار إذا كان لِكِلاَ النسكين فلا بُدَّ من التعرض لجهة أدائهما، ويترتب عليه مسائل ذكر بَعْضَهَا في الكِتَاب وأعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ، ونحن نذكرها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015