والثاني: منهما يمكن تنزيله على الثَّالث ليوافق إيراد الأكثرين، وعلى هذا فقوله: (وعلى قول: تحتسب المسافة) أي في الصّورة التي نحن فيها، وقوله: (فلا يحط إلا مقدار التفاوت بين حج من الميقات وحَجّ من مكَّة) أي إحرامه من الميقات أو مكَّة وإنشاؤهما من بَلْدَةِ الإِجَارَة، ذلك إنما أراد القول الذي ذكرناه أولاً وهو واضح من كلامه في "الوسيط"، وكذلك أورده الإمام -رحمه الله- في "النهاية" وعلى هذا فظاهر المذهب غَيْرُ القولين المذكورين في الكتاب.
وقوله: (وعلى قول تحتسب المسافة) أي في الجملة لا في هذه الصّورة، واعرف بعد هَذَا شيئين:
أحدهما: أن الحكم بوقوع الحَجِّ الذي أحرم به من مكَّة عن المستأجر ليس صَافِياً عن الإشكال؛ لأن المأمور به حجة يحرم بها من المِيقَات، وهذا الخصوص متعلق الغرض فلا يتناول الإذن غيره، ولهذا لو أمره بالبيع على وجه خاص مقصود لا يملك البيع على غير ذلك الوجه.
الثاني: أن الأجير في المسألة التي نحن فيها يلزمه دم لإحرامه بالحَجِّ بعد مجاوزة الميقات، وسنذكر خلافاً في غير صورة الاعتمار أن إساءة المجاوزة هل تنجبر بإخراج الدَّم حتى لا يحط شيئاً من الأُجْرَة أم لا؟ وذلك الخلاف عائد هَاهنا، نَصَّ عليه ابْنُ عَبْدَانَ وغيره، فإذًا الخلاف في قدر المحطوط مفرع على القول بأصل الحَطِّ، ويجوز أن نفرق بين الصورتين ونقطع بعدم الانجبار هَاهُنَا؛ لأنه ارتفق بالمجاوزة حيث أحرم بالعُمْرَة لنفسه.
الحالة الثانية: ولم يذكرها في الكِتَاب أن يعود إلى الميقات بعد الفراغ من العُمْرَة ويحرم بالحج منه فَهَلْ يحط شَيْءٌ من الأجرة؟ يبنى على الخلاف في الحالة الأولى.
إن قلنا: الأجرة مُوَزَّعَةٌ على السَّيْرِ والعَمَل ولم يحسب السير هاهنا لانصرافه على العمرة فتوزع الأجْرَةُ المسماة على حَجَّةٍ منشأة من بلدة الإجارة إحرامها من الميقات، وعلى حجة من منشأة الميقات، من غير قطع مسافة، فإذا كانت أجرة الأولى عشرين مثلاً، وأجرة الثانية خَمْسَة حططنا من المسمى ثلاثة أرْبَاعه.
وإن قلنا: الأجرة في مقابلة العمل وحده أو وَزَّعْنَا عليه وعلى السَّير واحتسبنا قطع المسافة هاهنا فلا حَطَّ وتجب الأجرة بتمامها، وهذا هو الأَظْهَرُ ولم يذكر كثيرون غيره.
الصُّورة الثانية: إذا شرطا في الإجارة ميقاتاً من المواقيت الشَّرعية أو قلنا: إنه يتعين ميقات بلده فجاوزه غير معتمر ثم أحرم بالحج عن المُسْتأجر نظر إن عاد إليه وأحرم منه فَلاَ دَمَ عَلَيْهِ، ولا يُحَطّ من الأجرة شَيْءٌ، وإن أحرم من جوف مكة أو بين