الكُوفَةَ فَهَلْ يَلزَمُهُ الدَّمُ فِي مُجَاوَزتِهَا إلْحَاقاً لَهَا بالمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ؟ فَعَلَى وَجْهَيْنِ، وَلَو ارْتَكَبَ مَحْظُوراً لَزِمَهُ الدَّمُ وَلاَ حَطَّ لِأَنَّهُ أتَى بتَمَامِ العَمَلِ.
قال الرافعي: في الفصل صورتان:
إحداهما: الأجير للحج إذا انتهى إلى الميقات المعين من المواقيت إما بتعينهما إن اعتبرناه أو بتعيين الشَّرْع فلم يحرم بالحَجِّ عن المُسْتَأجر ولكن أحرم بِعُمْرَة عن نفسه ثم لَمَّا فرغ منها أحرم بالحَجِّ عن المستأجر لم يخل إما أن يحرم به من غَيْرِ أن يعود إلى الميقات أو يعود إلى الميقات فيحرم منه.
الحالة الأولى: أن لا يعود إليه؛ كما إذا أحرم من جوفَ مَكَّةَ فَيَصِحُّ الحَجُّ عن المُسْتَأْجِرِ بحكم الإِذْنِ ويحط شيء من الأجرة المُسَمَّاة؛ لأنه لم يحج من الميقات وكان هو الواجب عليه، وفي قدر المحطوط اختلاف يتعلق بأصْلٍ وهو أنه إذا سار الأجير من بلدة الأجيرة وحَجَّ فالأجرة تقع في مقابلة أعمال الحَجِّ وحدَها أو تتوزع على السَّيْر والأعمال؟ وسيأتي شرحه من بعد فإن أوقَعْنَاها في مقابلة أَعْمَالِ الحَجِّ وحدها وُزِّعَتْ الأجرة المُسَمَّاة على حُجَّةٍ من المِيقَاتِ وحُجَّةٍ من جَوْفَ مَكَّة؛ لأن المقابل بالأجرة المُسَمَّاة على هذا هو الحَجُّ من الميقات فإذا كانت أجْرَة حَجَّة منشأة من الميقات خَمْسة، وأجْرَة حَجَّة منشأَة من جوف مكَّة ديناران فالتفاوت بثلاثة أخماس فيحط من الأجرة المُسَمَّاة ثلاثة أخماسها، وإن وَزَّعنَا الأجرةَ على السَّيْرِ والأَعْمَالِ جميعاً وهو الأظهر فقولان: أحدهما: أن المسافة لا تحتسب له هاهنا؛ لأنه صرفه إلى غرض نفسه حيث أحرم بالعمرة من الميقات، ومن عمل لنفسه لم يستحق أجرة على غيره؛ فعلى هذا توزع الأجرة المسماة على حجة تنشأ من بَلْدَةِ الإجَارَةِ ويقع الإحرام بِهَا مِنَ المِيقَات، وعلى حَجَّةٍ تنشأ من جَوْفِ مَكَّة فيحط بنسبة التفاوت من الأجرة المُسَمَّاة فإذا كانت أجرة الحَجَّة المنشأة من بلدة الإجارة مائة وأجرة الحجة المنشأة من مكَّة عشرة حُط من الأجرة المَسَمَّاة تِسْعَةُ أَعْشَارِهَا.
وأصحهما: أنه يحتسب قطع المسافة إلى الميقات لجواز أن يكون قَصْدُه منه تحصيل الحَجِّ إلا أنه أراد رِبْحَ عُمْرَةٍ في أثناء سَفَرِهِ، فعلى هذا توزع الأجرة المسماة على حجة منشأة من بلدة الإجارة إحرامها من الميقات، وعلى حجة منشأة منها إحرامها من مكَّة، فإذا كانت أجرة الأولى مائة وأجرة الثانية تِسْعِين حَطَطْنَا من المسمى عشرة، وإذا وقفت على ما ذكرنا تَحَصَّلْتَ على ثَلاثَةِ أقوالٍ، والثاني والثَّالث هما اللَّذَان أوردهما الأكثرون منهم صاحب "التهذيب" و"التتمة" وحكاهما ابْنُ الصَّبَّاغِ وجهين مفرعين على توزيع الأجرة على السَّيْرِ والعَمَلِ. وإما القولان المَذْكُوران في الكتاب فالأول منهما هو الثَّاني في الترتيب الذي ذكرناه.