مَا ذَكَرُوه على التأويل الأول ارتفع الخلاف، وإن نزل على الثَّاني هَانَ أمرُه.

ولو استأجر إنسان للميت من مال نفسه تطوعاً عليه فهذا كاستئجار المعْضُوب لنفسه فله الخيار، ولو قدَّم الأَجِيرُ الحَجَّ على السنة المعينة جاز وقد زَادَ خَيْراً.

ولنعد إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب.

قوله: (إن لم يحج في السنة الأولى) أي بأن لم يشرع في أعماله وإلا فيدخل فيه ما إذا مات في أثناء الحج، وما إذا أحصر، وما إذا فاته بعد الشُّرُوع فيه، وهذه الصّورة بأحكامها مذكورة من بعد.

وقوله: (إلا إذا كانت على الذِّمَّة فللمستأجر الخِيار) غير مجرى على إطْلاقةِ؛ لأنه لو عَيَّنَ غير السنة الأولى لم يؤثر تأخيره على السَّنَةِ الأولى.

وقوله: (فللمستأجر الخيار كإفلاس المشتري) جواب على الطريقة الجَازِمةَ بعَدَمِ الانفساخ؛ لقوله بعده: (وقيل: ينفسخ في قول).

وأما قوله: (فإن حكمنا بالخيار وكان المستأجر ميتاً فليس للوارث فسخ الإجارة) فاعلم أنا حكينا فيما إذا كان الاستئجار لميت الوجه المنقول عن العِرَاقيين، والذي يقابله، ووراءه صورة أخرى وهي أن يستأجر المَعْضُوبُ لِنَفْسِهِ ثم يموت وُيؤخِّرُ الأجير الحَجَّ عن السنة الأولى هل يثبت الخيار للوارث؟ ولفظ الكتاب مشعر بهذه الصُّورة بعيد عن الأولى تصويراً وتوجيهاً فإنها فيما إذا كان الاستئجار لميت لا فيما إذا كان المستأجر ميتاً والأولى هي التي تكلم الأئمة فِيهَا وأما الثانية فلم نَلْقَها مَسْطُورة، فإن حمل كلام الكتاب على الأولى وجعل ما ذكره جواباً على ما نقل عن العراقيين فهو بعيد، من جهة اللَّفْظِ، ثم ليكن مُعَلَّمَا بالواو الموجه المقابل له وقد ذكرنا أنه الأظهر، وإن حمل على الثَّانية فالحكم بأن الوارث لا خيار له بعيد من جِهَةِ المَعْنَى والقياس ثبوت الخيار للوارث كما في خِيَارِ العَيْبِ ونحوه.

قال الغزالي: الثانية إِذَا خَالَفَ فِي المِيقَاتِ فأحْرَمَ بِعُمْرَةٍ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ أَحْرَمَ بحَجِّ المُسْتأجِرِ في مَكَّة، فَفِي قَوْلِ لاَ تُحْسَبُ المَسَافَةُ لَهُ لأَنَّهُ صَرَفَهُ إِلَيَ نَفْسِهِ فَيَحُطُّ مِنْ أُجْرَتِهِ بِمِقْدَارِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ حَجِّه مِنْ بَلَدِهِ وَبَيْنَ حَجِّه مِنْ مَكَّةَ فَيَكْثُرَ المَحْطُوطُ، وَعَلَى قَوْلٍ: تُحْسَبُ المَسَافَةُ فَلاَ يُحَطُّ إلاَّ مِقْدَارُ التَّفَاوُتِ بَيْنَ حَجِّ مِنَ المِيقَاتِ وَحَجّ مِنْ مَكَّةَ فَيَقِلُّ المَحْطُوطُ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَمِر عَنْ نَفْسِهِ وَأَحْرَم مِنْ مَكَّةَ فَعَلَيْهِ دَمُ الإِسَاءَة، وَهَلْ يَنْجَبِرُ بِهِ حَتَّى لاَ يُحَطَّ شَيْءٌ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، فَإِنْ قُلْنَا: لاَ ينْجَبِرُ فَفِي احْتِسَابِ المَسَافةِ فِي بَيَانِ القَدْر المَحْطُوطِ وَجْهَانِ مُرَتَّبَانِ، وَأَوْلَى بِأَنْ يُحْتَسَبَ لِأنَّهُ لَمْ يُصْرَفْ إِلَى نَفْسِهِ، وَلَوْ عَيَّنَ لَهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015