وهذا قد حكاه الإمام عن الصَّيْدَلاَنِيِّ وَخَطَّاَهُ فِيهِ، وقال: ببُطْلاَنِ الإجَارَةِ في الصُّورة الثانية؛ لأن الدَّيْنِيَّة مع الرَّبْطِ بمعين يتناقضان فصار كما لو أسلم في ثمرة بستان بعينه، وهذا إشكال قَوِيّ.

قال الغزالي: الثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ أَعْمَالُ الحَجِّ مَعْلُومَةً لِلأَجِيرِ، وَفِي اشْتِرَاطِ تَعْيِينِ المِيقَاتِ قَوْلاَنِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ إِنْ كَانَ عَلَى طَرِيقِهِ مِيقَاتٌ وَاحِدٌ تَعَيَّنَ، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُفْضِي إِلَى مِيقَاتَيْنِ وَجَبَ التَّعيِينُ.

قال الرافعي: أعمال الحج معروفة مضبوطة فإن علماها عند العَقْدِ فذاك، وإن جَهِلاَها أو أحدهما فلا بد من الإعلام.

وهل يشترط تعيين الميقات الذي يحرم منه الأجير؟ قال في "المختصر": نعم وعن "الإملاء" وغيره أنه لا يشترط، وللأصحاب فيه طريقان:

أظهرهما: أن المسألة على قولين، ويحكى ذلك عن ابْنِ سُرَيْج وأبي إسحاق.

أحدهما: يشترط لاختلاف المواقيت قرباً وبعداً، واخْتِلاَف الأغراض باختلافها.

والثاني: لا يشترط ويتعين ميقات تلك البلدة على العادة الغَارِمة، وبهذا أجاب المُحَامِلِيّ في "المقنع" وذكر ابن عَيْدَان أنه الصَّحِيح، وشبهوا هذا الخِلاَفَ بِالْخلاَفِ في التعرض لمكان التّسليم في المسلم والمَعَالِيقِ في إجارةِ الدَّابة.

والثاني: تنزيل النَّصَّيْنِ على حالين، ولمن قال به طريقان:

أظهرهما: حمل النَّصِّ الأول على ما إذا كان للبلد طريقان مختلفَا الميقات، أو كان يفضي طريقها إلى ميقاتين كالعقيق وذات عرق، وحمل الثاني على ما إذا كان لها طريق واحدٌ له ميقات واحد.

والثاني: ويحكى عن ابن خَيْرَان أمن حمل الأول على ما إذا استأجر حيّاً والثاني على إذا ما كان الاستئجار لميت، والفرق أن الحي له غرض واختيار، والميت لا اختيار له، والمقصود تبرئة ذمته، وهي تحصل بالإحرام من أي ميقات كان، فإن شرطنا تعيين الميقات فَسَدَت الإجارة بإهْمَاله، لكن يقع الحَجُّ عن المستأجر؛ لوجود الإذن، ويلزمه أَجْرَةُ المِثْلِ، وإذا كانت الاجَارة لِلْحَجِّ والعمرة فلا بد من بيان أنه يفرد، أو يقرن، أو يتمتع؛ لاختلاف الأغراض بها.

قال الغزالي: الرَّابعُ أَنْ لاَ يَعْقِدَ بِصِيغَةِ الجَعَالَةِ، فَلَوْ قَالَ: مَن حَجَّ عَنِّي فَلَهُ مَائَةٌ فَحَجَّ عَنْهُ إِنْسَانٌ نَقَلَ المُزَنِيُّ صِحَّتَهُ، وَطَرَدَهُ الأَصْحَابُ فِي كُلِّ إِجَارَةٍ بِلَفْظِ الجَعَالَةِ، وَالأَقْيَسُ فَسَادُ المُسَمَّى وَالرُّجُوعُ إِلى أُجْرَةِ المِثْلِ لِصِحَّةِ الإِذْنِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015