قال الرافعي: حكى الأئمة أن المزني -رحمه الله- نقل في المَنْثُور عن نَصِّه أنه لو قال المعضوب: من حَجَّ عني فله مائة درهم فَحَجَّ عنه إنسان استحق المَائِة، واختلاف الأصحاب فيه على وجهين:

أحدهما: وبه قال أبو إسحاق: أن هذا النَّص مقرر وتجوز الجُعَالة على كُلِّ عَمَلٍ يصح إيراد الإِجَارَةِ عَلَيْهِ؛ لأن الجعالَة جَائِزَةٌ مع كون العَمَلِ مَجْهُولاً فأولى أن تجوز مع العِلْمِ به.

والثاني -وبه قال المزني-: أن النَّص مخالفٌ مُؤَوَّل ولا تجوز الجعالة على ما تجوز الإجارة عليه؛ لأن العمل غير معين فيها، فإنما يعدل إليها عند تَعَذُّرِ الإجارة للضَّرُورة، وعلى هذا فلو حَجَّ عنه إنْسَان فالمُسَمَّى سَاقِطٌ لِفِسَادِ العَقْدِ ولكن الحج يقع عن المَعْضُوب، وللعامل أُجْرَةُ المِثْلِ لوجود الإِذْنِ وإن فسد العقد، وكذا الحكم فيما لو قال: من خَاطَ ثَوْبِي فله كَذَا فخاطه إنسان وفيه وجه أنه يفسد الإذن؛ لأنه ليس موجهاً نحو معين. كما لو قال: وَكَّلْتُ من أراد بِبَيْع دَارِي لا يصح التَّوكيل، فإذا تقرر ذلك فلفظ الكتاب هاهنا يرجح الوجه الصَّائر إلى عدم صِحَّة الجعالة فإنه سماه الأقيس، وجعل عدم العقد بصيغة الجَعَالة من الأمور المَرْعِية، لكنه قد أعاد هذه المَسْألة في باب الجعالة، وإيراده هناك يقتضي ترجيح وجه الصِّحة وكلام الأكثرين إليه أميل.

وقوله: (ألاَّ يعقد بصيغة الجعالة) إن كان المراد منه أن لا يعقد الإجَارة بصيغة الجَعَالة فهذا يوهمِ رجوع المنع إلى الصيغة، وكون الجعالة إِجارةً وليس كذلك بل هما عقدان مُخْتَلِفا الأرْكَانِ وإن كان المراد أنه لا يَعْقِدُ عَلَى الحَجِّ الجعالة ذِهَاباً إلى الوجه الثَّاني فَعَدُّه من شروط الإجارة بَعِيدٌ عن الاصْطِلاحَ؛ لأن الامتناع عن العقد الذي لا يجوز إيراده على الشَّيْءِ لا يعد شرطاً في ما يجوز إيراده عليه، وإلا فليكن الامتناع عن البيع وسائر ما لا يقبله الحَجْ شرطاً في الإجارة.

قال الغزالي: أمَّا أحكامُهُ فَتَظْهِرُ بِأحْوَالِ الأَجِيرِ وَهِيَ سَبْعَةٌ الأُولَى إِذَا لَمْ يَحُجَّ فِي السَّنَةِ الأوُلَى أَنْافَسَخَتِ الإِجَارَةُ إِلاَّ إِذَا كَانَتْ عَلَى الذِّمَّةِ فَلِلْمُستَأْجِرِ الخِيَارُ كَإِفْلاَسِ المُشْتَرِي وَقِيلَ: تَنْفَسِخُ فِي قَوْلٍ كَاَنْقِطَاعِ المُسْلِمِ فِيهِ، فَإِنْ حَكَمْنَا بِالخِيَارِ فَكَانَ المُسْتَأجِرُ مَيِّتاً فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ فَسْخُ الإِجَارَة فَإنَّهُ يَجِبُ صَرْفُهُ إِلَى أَجِيرٍ آخَرَ فَأَجيرُ المَيِّت أَوْلَى.

قال الرافعي: أحكام مطلق الإجارة تذكر في بابها والتي يختص بالاستئجار على الحَجِّ مثبتة على اختلاف حال الأَجِير في عدم الوَفَاء بالملتزم، وهي فيما ذكر سَبْع أحوالٍ. ووجه حصرها أن عدم الوفاء إما أن يكون بعدم اشتغاله به في السَّنة الأولى، وهو الحالة الأولى، أو بغير هذا الطريق، وهو إما بالشروع فيه على خلاف قضية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015