وقوله: (وإنما تجوز في حَجَّة الإسلام) يفهم الحَصْرُ فيها، لكن النَّذر والقَضَاء في معناه كما سبق، ولإفهامه العصر أعلم بالميم والحاء والألف إشارة إلى أنهم يجوزونها في حجة التطوع أيضاً.
وقوله: (أو مات قبل الوجوب إذا امتنع الوُجوب لعدم الاستطاعة) جواب على طريقة نَفْي الخِلاَف في المَسْألة أو على أظهر القولين على الطَّريقة الأخرى فَلْيُعَلَّم بالواو. واحتج في الجواز بما روى: "أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِرَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِنَّ فَرِيضَةَ الحَجَّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخاً كبِيراً لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحِجَّ أَفَأحجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ" (?).
وليس هذا الاحتجاج بقوي؛ لأن هذا الحديث هو حديث الخَثْعَمِيَّة واللفظ المشهور في حديثها: "لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ" (?). وذلك يَدُلُّ على أن اللَّفظة التي نقلها -أن يثبت- محمولة على نفي استطاعة المباشرة وذلك لا ينفي وجوب الحَجِّ، والمسألة فيمن لا وجوبَ عليه، ويجوز أن يحتج له بحديث بُرَيْدَة فإن المرأة قالت: إن أمي مَاتَتْ وَلَمْ تَحُجّ، ولم يفصل الجواب -والله أعلم-.
قال الغزالي: وَإذَا اسْتَأجَرَ المَعْضُوبَ حَيْثُ لاَ يُرجَى زَوَالِهِ فَمَاتَ أَوْ حَيْثُ لاَ يُرْجَى بُرْؤُهُ فَشُفِيَ فَفِي وُقُوعِ الحَجِّ مَوْقِعَة قَوْلاَنِ يُنْظَرُ فِي أَحدِهِمَا إلَى الحَالِ وَفِي الآخِرَ اِلى المَآل، إنْ قُلْنَا: إِنَّهُ لاَ يَقَعُ عَنْهُ فَالصَّحِيحُ أنَّهُ يَقَعُ عَنْ تَطَوُّعِهِ وَيَكُونُ هَذَا عُذْراً فِي تَقْدِيمِ التَّطَوُّعِ كَالصِّبَا والرِّقِّ، ثُمَّ يَسْتَحِقُّ الأَجِيرُ الأُجْرَةَ وَلاَ يَجُوز الحَجُّ عنِ المَعْضُوبِ لِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَيَجُوزُ عنِ المَيْتِ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ (م ح) وَيَسْتَوِي فِيهِ الوَارِثُ والأجْنَبيُّ.
قال الرافعي: المعلول الذي يرجى زوال علته ليس له أن يَحُجَّ عن نفسه كما مَرَّ فإن أحج نظر إن شفي لم يجزئهُ ذلك قولاً واحداً، وإن مات ففيه قولان:
أحدهما: وبه قال أبو حنيفة -يجزئه؛ لأنه تبين أنها كانت غير مرجوة الزَّوال.
الثاني: لا يجزئه؛ استنابة لم تكن جائزة له حينئذ قال الأئمة وهذا أظهر، وعلى عكسه لو كانت غير مرجوة الزَّوال فأحج عن نفسه ثم شفي فطريقان:
أظهرهما: وهو المذكور في الكتاب طرد القولين، وبالثاني قَلَ أَبُو حَنِيفة، ويروي الأول عن مَالِك وأحمد -رحمهما الله-.
والثَّاني: القطع بأنه لا يُجْزئه.