وأما حجَّة التطوع فهل يجوز استنابة المَعْضُوب فيها واستنابة الوارث للميت؟ فيها قولان:
أحدهما: لا، لبعد العبادات البدنية عن قَبولِ النِّيابة، وإنما جوزنا في الفَرْضِ للضرورة.
وأصحهما: وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد -رحمهم الله- نعم؛ لأنها عبادة تدخل النيابة في فرضها فتدخل في نفلها كأَداءِ الزَّكاة، ولو لم يكن الميت قد حَجَّ ولا وجب عليه لعدم الاستطاعة ففي جواز الإِحْجَاج عنه طريقان نقلهما الإمام.
أحدهما: طرد القولين؛ لأنه لا ضرورة إليه.
والثاني: القطع بالجَوازِ لوقوعه عن حَجَّةِ الإسلام.
فإن جوزنا الاستئجار للتطوع فللأجير الأجرة المسماة، ويجوز أن يكون الأجير عبداً أو صبياً بخلاف حُجَّة الإسْلاَمِ لا يجوز استئجارهما فيها؛ لأنهما لَيْسَا مِنْ أَهْلِهَا، وفي المنذورة الخِلاَفُ المشهور في أنه يسلك بالنذر مسلك الوَاجِبَات أم لا، وإن لم نجوز الاستئجار للتطوع وقع الحجُّ عَن الأَجِير ولم يستحق المسمى، وفي أجرة المثل قولان مَرْوِيان عن "الأم":
أحدهما: أنه لا يستحق أيضاً لوقوع الحَجّ عنه.
وأظهرهما: عند المُحَامِلِي وغيره أنه يستحقها؛ لأنه دخل في العَقْدِ طَامِعاً في الأجرة وتلفت منفعته عليه، وإن لم ينتفع بها المستأجر فَصَار كما لو اسْتُؤجِرَ لِحَمْلِ طَعَامٍ مَغْصُوبٍ فحمل يستحق الأُجْرَة (?).
وأما لفظ الكتاب فقوله: (وإنما يجوز للعاجز عن المباشرة) ليست اللام في قوله (للعاجز) لإضافة فعل الاستنابة إليه؛ لأن العاجز بالموت لا يتصور منه الاستنابة وإنما المراد كون الاستنابة للعاجز، ثم هي قد تصدر منه وقد تصدر من غيره، ويجوز أن يرقم بالحاء والألف؛ لأن عند أبي حنيفة وأحمد تجوز الاستنابة للصَّحِيح أيضاً في حَجَّةِ التَّطَوع. وقوله: (أو بزمانة) معلم بالميم؛ لأن عند مالك لا تجوز النِّيَابة عَنِ الحَيِّ وإنما تجوز عن الميت.