قال في "التهذيب": ورجوع القافلة لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى لو مات بعد انتصاف ليلة النَّحْرِ، ومضى إمكان المَسِير إلى منَى والرّمي بها، وإلى مكَّةَ والطّواف بها استقر الفَرْضُ عليه، وإن مَاتَ أو جنَّ قبل انتصاف ليلة النحر لم يستقر، وإن هَلَك مالُه بعد إِيَابِ النَّاسَ أو مضى إمكان الإياب استقر الحَجّ، وإن هلك بعد حَجِّهم وقبل الإياب وإمكانه فوجهان:

أحدهما: الاستقرار كما في صُورة المَوْتِ.

وأصحهما: وهو المذكور في الكتابَ: أنه لاَ يَسْتَقِر بِخِلاَفِ صُورِ المَوْتِ، لأنه إذا مات استغنى عن المال للرّجُوعِ، وهاهنا نفقة الرّجوع لاَ بُدَّ مِنْها، وهذا حيث نشترط نفقة الإيَاب فإن لم نشترطها تعين الوَجْهُ الأول، وإن أحصر الدين تَمَكَّن من الخروج معهم فتحللوا لم يستقر الفَرْضُ عَلَيْهِ، وإن سلكوا طريقاً آخَرَ فَحَجُّوا استقر، وكذا إذا حَجَّوا في السَّنة التي بَعْدَها إذا عاش وبقي ماله.

وإذا دامت الاستطاعة وتحقق الإمكان ولم يحج حتى مات فهل يَعْصى؟ فيه وجهان:

أحدهما: وبه قال أبو إسحاق لا؛ لأنا جَوَّزْنَا له التأخير.

وأظهرهما: نعم وإلا ارتفع الحكم بالوجوب، والمجوز هو التأخير دون التَّفْوِيت، والوجهان كالوجهين فيما إذا مَاتَ في وسط الوقت قبل أداء الصَّلاة، لكن الأظهر هُنَاك أنه لا يَمُوت عَاصِياً، وسبب الفرق قد مَرَّ هُنَاك، وبه قال ابْنُ سُرَيج، وفَصَّلَ بَعْضَ الأَصْحَاب فقال: إن كان شيخاً مات عاصياً، وإن كان شاباً فلا، والخلاف جارٍ فيما إذا كان صَحِيحَ البَدَنِ مستطيعاً فلم يحج حتى صَار زَمِناً، والأظهر التَّعْصِيَةُ أيضاً، ولا نظر إلى إمكان الاستنابة فإنها في حكم بدل، والأصل المُبَاشَرة، ولا يجوز تَرْكُ الأصل مع القُدْرَة عليه، ويتفرع على الحكم بالتعصية فرعان.

أحدهما: في تضيق الاستنابة عليه في صورة عُروض الزّمانة وجهان حكاهما الإمام -رحمه الله-.

أظهرهما: عنده وبه أجاب صاحب الكتاب -رحمه الله-: أنَّهَا تتضيق لِخُروجِهِ بتقصيره عند استحقاق التَّرْفِيه.

والثاني: له التأخير، كما لو بلغ معضوباً عليه الاستنابة على التراخي، ولك أن تشبه هذيْنِ الوجهين بوجهين قد مَرَّ ذكرهما في قضاء الصَّوْم إذا تعدى بتفويته، وهل يَكُونُ علي الفَوْرِ؟ وإذا قلنا بالوَجْهِ الأول فلو امتنع وأَخَّر هَل يجبره القَاضِي على الاستنابة ويستأجر عليه؟ فيه وجهان:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015