أظهرهما: عند الإمام -رحمه الله تعالى-: لا؛ لأن الحُدودَ هي التي تتعلق بِتَصَرُّفِ الإِمَامِ.
والثاني: نَعَمْ؛ تشبيهاً له بزكاة الممتنع، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ منهما تَدْخُلُه النيابة.
الثانية: إذا قلنا: يموت عاصياً فمن أي وقت نحكم بعصيانه؟ فيه وجهان:
أحدهما: من أول سَنَةِ الإِمْكَانِ لاستقرار الفَرْضِ عليه يومئذ.
وأظهرهما: وبه قال أبو إسحاق: من آخر سَنَةِ الإمْكَان بجواز التأخير إليها، وفيه وجه ثالث أنا نحكم بموته عاصياً من غير أن نسنده إلى وَقْت معين.
ومن فوائد الحكم بموته عاصياً أنه لو كان قد شهد عند القاضي ولم يقض بشهادته حتى مات فلا يَقْضِ كما لو بأن له فِسْقُه، ولو قضى بشهادته بين الأولى من سني الإمكان وأخراها فإن عصيناه من أخراها لم ينقض ذلك الحكم بحال، وإن عصيناه من أولاها ففي نقضه القولان، فيما إذا بأن الشُّهُودُ فَسَقَه، وقوله في الكتاب (ومهما تمت الاستطاعة) أي مَعَ سَائِرِ الشَّرائط. وقوله: (أو طُرأ العضب) أصْلُ العضب القطع يقال: عضبت الشيء أعضبته إذا قطعته، سمي معضوباً لأن الزمانة التي عرضت له قطعت حركة أعضائه، وقيل: هو معصوب -بالصاد المهملة- كأنه ضُرِب على عصبه فانعزلت أعضاؤه عن عملها -والله أعلم-.
قال الغزالي: وَلاَ بُدَّ مِنَ التَّرْتِيبِ (م ح) في الحَجِّ فَيَبْدَأُ بِحَجَّةِ الإِسْلاَمِ ثُمَّ بالقَضَاءِ (و) ثُمَّ بالنَّذْرِ ثُمَّ بالتَّطَوُّعِ فَلَوْ غَيَّرَ هَذَا التَّرْتِيبَ وَقَعَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيب وَلَغَتْ نيَّتُهُ، وَإِذَا حَجَّ عَنِ المُسْتَأْجِرِ وَهُوَ لَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ وَقَعَ عَنْهُ دُونَ المُسْتَأْجِرِ (م ح).
قال الرافعي: حُجَّةُ الإسْلاَم في حق من يَتَأَهَّل لَهَا تقدم على حَجَّةِ القَضَاءِ، وصورة اجتماعهما أن يفسد الرقيق حَجَّة ثم يعتق فعليه القضاء، ولا يجزئه عن حَجَّة الإسلام فإن القضاء يتلو تلو الأَدَاء؛ وكذا حجة الإسلام على حَجَّة النذر، ولو اجتمعنا معِ حجَّة الإسلام قدمت هي، ثم القضاء الواجب يأصْلِ الشّرع، ثم المنذورة تقديماً للأهَمِّ فالأهَمِّ.
ومن عليه حجة الإسلام ليس له أن يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ، وكذا من عليه حجة نذر أو قضاء. قال أبو حنيفة ومالك -رحمهما الله- يجوز التطوع بالحج قبل أداء الفَرْضِ، ويجوز لِمَن عَلَيْهِ الحَجُّ أن يَحُجَّ عن غيره، وأظهر ما روي عن أحمد -رحمه الله- مثل مذهبنا. لنا: ما روى عن ابن عباس -رضي الله عنهما- "أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- سَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مَن شُبْرُمَةَ؟ قَالَ: أَخِي أَوْ قَرِيبٌ لِي فَقَالَ