قال الغزالي: (وَأَمَّا البَدَنُ) فلاَ يُعْتبَرُ فِيهِ إلاَّ قُوَّةٌ يَسْتَمْسِكُ بِهَا علَى الرَّاحِلَةِ، وَيجِبُ عَلَى الأَعْمَى إِذَا قَدَرَ عَلَى قَائِدٍ، وَيَجِبُ عَلَى المَحْجُورِ وَالمُبَذِّر، وَعَلَى الوَليِّ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ وَيُنْصِّبَ عَلَيْهِ قَوَّاماً.
قال الرافعي: المتعلق الرابع: البدن، ويشترط فيه لاستطاعة المباشرة قوة يستمسك بها على الرَّاحلة، والمراد أن يثبت على الرَّاحِلَةِ من غير أن يلحقه مشقة شديدة، فأما إذا لم يثبت أصلاً، أو كان يثبت ولكن بمشقةٍ شديدةٍ فليس له استطاعة المباشرة، سواء فرض ذلك لمرض أو غيره، روى أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ لَمْ يَحْبِسْهُ مَرَضٌ أَوْ حَاجَةٌ ظَاهِرَةٌ أَو سُلْطَانٌ جَائِزٌ فَلَم يَحُجَّ فَلْيَمُتْ إِنْ شَاءَ يَهُودِيّاً وإنْ شَاءَ نَصْرَانيّاً (?).
والقول في أنه متى يستتيب؟ ومتى لا يستتيب؟ سيأتي من بعد، ثم في الفصل مسألتان:
إحداهما: الأعمى إذا وجد مع الزَّادِ والرَّاحِلَةِ قَائِداً يلزمه الحج بنفسه؛ لأنه مستطيع لَهُ والقائد في حقه كالمَحْرَمِ في حَقِّ المرأة، وبه قال أحمد، وعن أبي حنيفة -رحمهما الله- اختلاف رواية فروى عنه: أنه لا حَجَّ عليه، وهذه عبارة الكَرَخِي في "مختصره"، وروى أنه لا يلزمه الخروج بنفسه ولكن يستتيب.
الثانية: المحجور عليه بالسَّفه كغيره في وجوب الحَجِّ عليه إلا أنه لا يدفع المال إليه لتبذيره بل يخرج الوَلِي معه لينفق عليه في الطَّرِيق بالْمَعْرُوفِ ويكون قَوَّاماً عليه، وبفارق الصَّبي والمجنون إذا أحرم الوَلِي عَنْهُما، فإن في إنفاقه ما زاد بسبب الحجر من مالهما خِلافاً سنذكره؛ لأنه لا وجوب عليهما، وإذا زال ما بهما لزمهما حَجَّة الإسلام، وذكر في "التهذيب": أنه إذا شرع السفيه في حج الفرض أو في حجٍّ نَذَرَهُ قَبْلَ الحَجْرِ بغير إذن الولي لم يكن له أن يحلله فيلزمه أن ينفق عليه إلى أن يفرغ، وإن شَرَعَ في حَجِّ تطوع ثم حُجِرَ عليه فكذلك، ولو شرع فيه بعد الحَجْر كان للولي أن يحلله إن كان مَا يحتاج إليه لِلْحِجِّ يزيد على نفقته المعهودة ولم يكن له كسب وإن لم يزد، أو كان له كسب يَفِي مع قدر النفقة لِلْحَجِّ وجب إتمامه، ولم يكن للولي أن يحلله.
وقوله في الكتاب: (وعلى الولي أن ينفق عليه) أي من مال المحجور.
وقوله: (وينصب عليه قوّاماً) أي إن لم يتول ذلك بنفسه.