أحدهما -وبه قال القفال-: نعم، ليكلم الرجال عنهن، ولتستعن التي معها محرم إذا ابتلين بنائبة.
وأصحهما: لا؛ لأن النساء إذا كثرن انقطعت الأطماع عنهن وكفين أمرهن، وإن لم تجد نسوة ثِقَاتٍ لم يلزمها الحَجّ، هذا ظاهر المَذْهَبِ، ووراءه قولان:
أحدهما: أن عليها أن تخرج مع المرأة الواحدة، يحكى هذا عن "الإملاء".
والثاني -واختاره جماعة من الأئمة-: أن عَلَيْهَا أن تخرج وحدها إذا كان الطَّرِيق مَسْلُوكاً ويحكى هذا عن رواية الكَرَابِيسِي.
واحتج له بما روى عن عَدِيّ بْنِ حَاتِم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يَا عَدِيُّ إِنْ طَالَتْ بِكَ الْحَيَاةُ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بالْكَعْبَةِ لاَ تَخَافُ إِلاَّ اللهَ، قَالَ عَدِيُّ: فَرَأَيْتُ ذَلِكَ" (?).
وأيضاً بأن المرأة لو أسلمت في دَارِ الكُفْرِ لَزِمَهَا الخُروجُ إِلَى دَارِ الإسْلاَمِ، وَإِنْ كَانَتْ وَحْدَهَا، ولمن ذهب إلى الأول أن يقول:
أما الحديث: فليس فيه ما يقتضي الوجوب.
وأما التي أسلمت: فخوفها لو أقامت هُنَاك أكثر من خَوْفِ الطَّريق، هذا حكم الحَجِّ الفَرْض، وهل لها الخروج إلى سائر الأسْفَار مع النساء الخُلَّص؟ فيه وجهان؛ لأنه لا ضرورة إليها.
والأصح عند القاضي الرّويَانِي المَنْع، وليعلّم قوله في الكتاب: (ولكن إذا وجدت مَحْرَماً) بالواو؛ للقول الصَّائِرِ إلى أنها تخرج وَحْدَها، وقوله: (أو نسوة ثقات) أيضاً بالواو؛ لأمرين.
أحدهما: القول المكتفي بالواحدة.
وثانيهما: الوجه الشارط لأن يكون مع بَعْضِهِنَّ مَحْرَمٌ وبالحاء؛ لأن عنده إذا لم يكن محرم وزوج فلا يجوز لها الخروج إلا أن تكون المَسَافة بينها وبين مكَّة دون ثلاثة أيام، ويروى عن أحمد مثله.
وفي كون المحرم أو الزوج شرط الوجوب أو التمكن اختلاف رواية عنهما، قال الموفق بْنُ طاهر: ولأصحابنا مثل هذا التَّردد في النِّسْوةَ الثِّقَاتِ، ولم يتعرض في الكِتَاب للزَّوْج، واقتصر على اشتراط المحرم أو النسوة الثقات لكنه كالمحرم بالاتفاق.