لَهَيَجَانِ الأمواج في بَعضِ الأحوال لم يلزم الرُّكوب، وإن كان الغالب السلامة ففيه قولان:
أظهرهما: اللزوم كسلوك طريق البَرِّ عند غلبة السَّلامة.
والثاني: المَنْعُ؛ لأن عوارض البَحْرِ عَسِرَةُ الدَّفْعِ، وعلى هذا لو اعتدل الاحتمال فيلحق بِغَلَبَةِ السَّلامة، أو بغلبة الهَلاَكِ تردد كلام الأئمة فيه وأما النافون لِلْخِلاَف فلهم طرق:
أحدها: القطع بعَدَم اللزوم، وحمل نصه في "الإملاء" على ما إذا ركبه لِبَعْضِ الأغراض فصار أقرب إلى الشَّطِّ الذي يَلِي مَكَّةَ.
والثاني: القطع باللزوم، وهذا قد أشار إليه الحَنَّاطِيُّ وغيره.
والثالث: وبه قال أبو إسحاق الإصْطَخْرِي أنه إن كان الغَالِب الهَلاَك لم يلزمه، وإن كان الغَالِب السَّلامة لَزِم، واختلاف النَّص محمول على الحالين، وبهذا قال أَبُو حَنِيفة وأحمد -رحمهما الله-.
والرَّابع: تنزيل النَّصَّينِ على حالتين مِنْ وَجْهٍ آخر إن كان الرَّجُل مِمَّنْ اعتاد ركوب البَحْرِ كالمَلاحِين وأهل الجَزَائِرِ لزمه وإلا فلاَ لصعوبته عليه، حكى الطريقة هكذا على هذا العراقيون وطائفة، ونقل الإمَامُ عن بعض الأَصْحَابِ اللزوم عند جُزْأة الراكب وعدَمَه عِنْدَ اسْتِشْعَارِ، وهذا قريب من الطَّريقة الأخيرة، ويشبه أن يكون هُوَ هِيَ، وإنما الاختلاف في العبارة، ثم ذكر أن من الأصحاب من نزل النَّصَّيْنِ على الحَالَتَيْنِ من غير تَرْدِيدِ قَوْلٍ. ومنهم: من قال: "لا يجب على المستشعر"، وفي غيره قولان:
ومنهم: من قال: يجب على غير المستشعر وفيه قولان، والصائرون إلى هذين الطريقين من المثبتين للخلاف. واتبع حجة الإسلام -رحمه الله- منقول الإمام -قدَّس الله رُوحَه- واستخرج من الطُّرق التي نقلها ثلاثة أقوال:
اللزوم مطلقاً، والمَنْع مطلقاً.
والفرق بين الجَبَانِ وغيره، والمستشعر والجبان هاهنا مطلقان بمعنى وَاحِد، ولو قال: على غير المستشعر دون المستشعر أو على غير الجبان دون الجبان لكان أحْسَن وأقربَ إلى الأَفْهَام، وفي لفظ الكتاب ما ينبئك أن الخلاف مخصوص بما إذا كان الغَالِب السَّلامة حيث قال: (لغلبة السلامة) فإن كان الغالبُ الهَلاكَ فالظاهر الجزم بالمنع على ما مر. التفريع إذا قلنا: لا يجب ركوبه فهل يستحب؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا؛ لما فيه من التغرير بِالنَّفْسِ.
وأظهرهما: نعم كما يستحب ركوبه للغَزْوِ، وقد روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ يَرْكَبَنَّ