مَلِيءُ مقِر، أو عليه بَيِّنَة فهو كالحَاصِل في يده، وإن لم يتيسر بأن كان من عليه منكراً ولا بينة أو كان مؤجلاً فهو كالمعدوم، وقد يتوصل المحتال بهذا إلى دفع الحَجِّ فيبيع ماله نسيئة إذا قرب وقت الخروج، فإن المال إنما يعتبر وَقْتَ خروج النَّاس.
قال الغزالي: (وأمّا الطَّرِيقُ) فَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ آمِنًا عَمَّا يَخَافُ فِي النَّفْسِ وَالبُضْعِ وَالمَالِ، فَلَوْ كَانَ فِي الطَّرِيقِ بَحْرٌ لَزَمَ الرُّكُوبُ عَلَى قَوْلٍ لِغَلَبَةِ السَّلاَمَةَ؛ وَلَمْ يَلْزَمْ فِي قَوْلٍ لِلْخَطَرِ، وَلَزَمَ عَلَى غَيْرِ المُسْتَشْعِرِ فِي قَوْلٍ دُونَ الجَبَانِ، وإذَا لَمْ نُوجِبْ فَلَوْ تَوَسَّطَ البَحْرَ وَاسْتَوَتِ الجِهَاتُ فِي التَّوَجُّهِ إِلَى مَكَّةَ وَالانْصِرَافِ عَنْهَا فَفِي الوُجُوبِ الآنَ وَجْهَانِ، وَاسْتِطَاعَةُ المَرْأَةِ كَاَسْتِطَاعَةِ الرَّجُلِ لَكِنْ إِذَا وَجَدَتْ مَحْرَماً أَوْ نِسْوَةً (ح و) ثَقَاتٍ مَعَ أَمْنِ الطَّرِيقِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى المَرَاصِدِ مَنْ يَطْلُبُ المَالَ لَمْ يَلْزمه الحَجُّ، وَفِي لُزُومِ أَجْرَةِ البذرقةِ وَجْهَانِ، وإذَا لَمْ يَخْرُجُ مَحْرَمُ الْمَرْأَةِ إلاَّ بِأُجْرَةٍ لَزِمَ عَلَى أَظْهَرِ الوَجْهَيْن.
قال الرافعي: المتعلق الثالث: الطريق، ويشترط فيه الأمْنُ في ثَلاثَةِ أشياء، قال الإمام: وليس الأمن الذي نذكره قطعيّاً، ولا يشترط أيضاً الأمن الذي يغلب في الحَضَر، بل الأمن في كل مَكَانٍ بحسب مَا يَلِيقُ به.
فأحد الأشياء الثَّلاثة: النفس، فلو خاف على نَفْسِهِ مِنْ سَبْعٍ، أو عَدُوٍّ في الطريق لم يلزمه الحج؛ ولهذا جاز التَّحَلُّل عن الإحْرام بمثل ذلك، على ما سيأتي في باب الإحْصَار، وهذا إذا لم يجد طريقاً سواه، فإن وجد طريقاً آخر آمناً لزمه سلوكه، أما إذا كاَن مثل مسألة الأول فظاهر، وأما إذا كان أبعد فكذلك إذا وجد ما يَقْطَعه به كما لو لم يجد طريقاً سواه، وذكر في "التتمة" وجهاً أنه لا يلزمه كما لو احتاج إلى بذل مؤنَةٍ زائدة في ذلك الطَّريق.
ولو كان في الطريق بَحْر لَمْ يَخْل إما أن يكون له في البَرِّ طريق أيضاً أو لا يكون، إن كان لزوم الحج، إلا فَقَدْ قَالَ في "المُخْتصر": ولم يبين لي أن أوجب ركوب البحر لِلْحَجِّ ونص في "الأم" على أنه لا يجب، وفي "الإملاء" على أنه إن كان أكثر عيشه في البحر وَجَب، والأصحاب منقسمون إلى مثبتين لِلْخِلاف في المَسْأَلة، وإلى نافين له، وللمثبتين طريقان:
أحدهما: أن المسألة على قَوْلَيْنِ مُطلِقاً، حكاه الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُه.
أحدهما: أنه يلزم ركوبه للظَّواهِرِ المُطْلَقَةِ في الحَجِّ.
والثاني: لا؛ لما فيه من الخَوْفِ والخَطَرِ.
وأظهرهما: أنه إن كان الغَالِب منه الهَلاَك إما باعتبار خصوص ذلك البحر، أو