ادخرِ لِأَهْلِهِ النفقةَ فَهَلْ يلزمه الحج تعويلاً على الكسب حكى الإمام عن أصحابنا العراقيين أنه إن كان السَّفَرُ طَوِيلاً لم يلزمه ذلك؛ لأنه قد ينقطع عن الكَسْبِ لِعَارِضٍ، وبتقدير أن لا ينقطع فالجمع بين تَعَبِ الكَسْبِ والسفر تعظم فيه المَشَقَّة.
وإن كان قصيراً، نظر إن كان يكتسب في كُلِّ يوم ما يَكْفِيه ولا يفضل عنه لم يلزمه؛ لأنه ينقطع عن كسبه في أيام الحَجِّ فيتضرر وإن كان كسبه في يوم يكفيه لأيام لَزِمه الخروج، قال الإمام: وفيه احتمال كما أن القدرة على الكسب فِي يَوْمِ الفطر لا تجعل كحصول الصاع في مِلْكِه.
وقوله في الكتاب: (لم يلزمه الخروج) مُعَلَّمٌ؛ لأن عند مالك يلزمه ذلك، وهكذا قال فيمن أمكنه الحَجّ بالسُّؤَالِ في الطريق، ثم لفظ الكتاب مطلق، وقضية ما نقلناه التقييد. وقوله في أول الفصل: (وأما الزاد فهو أن يملك ما يبلغه إلى الحج) فيه إضمار؛ لأن كونه مالكاً لما يبلغه لا يَصْلُحَ تفسيراً لِلزَّادِ، والمعنى أن القدرة على الزَّادِ هي أن يملك ما يبلغه. وقوله: (نفقة أهله إلى الإياب) أي إن كان له أَهْلٌ، والمراد من الأهْلِ هاهنا من يلزمه نفقته لا غير، وفي قوله: (فإن لم يكن له أهل) لا يمكن الحمل على هؤلاء فَحَسْبِ، إذ ليس ذلك موضع الوجهين، وإنما الوجهان فيما إذا لم يكن لَهُ عشيرة أصلاً كذا ذَكره الصَّيْدَلاَنِيُّ وغيره؛ لأنه يعظم على الإنسان مفارقة العَشَائر، فلا بد من اعتبار الإياب إذا كان الرَّجُلُ ذَا عِشِيرة.
قال الإمام: ولم يتعرض أحد من الأصحاب للمعارف والأصدقاء؛ لأن الاستبدال بهم متيسر. وقوله: (ومسكن) يشعر باعتبار فقدان المَسْكَن في حُصولِ الوَجْهَيْنِ، وهو جواب على أظهر الاحتماليِن عند الإمام، كما مَرّ. واعرف في نظام الكتاب شيئين:
أحدهما: أنه لم يصرح باعتبار كونه فاضلاً عن نفقته في نفسه، لكنه مفهوم من كلامه في مَوَاضِعَ.
منها: اعتبار كونه فاضلاً عن نفقة الأهل فإنه يفهم اعتبار كونه فاضلاً عن نفقته بطريق الأولى. ومنها: قوله: (ففي اشتراط نفقة الإياب وجهان) ومعلوم أنه في نفقة نفسه لا في نفقة الأَهْلِ، فإنها مجزوم باشتراطها إلى الإِيَاب.
والثاني: أنه لم يعتبر كونه فاضلاً عن الدَّيْنِ، ولا بُدَّ منه، أما إذا كان حالاًّ فلأنه نَاجِز والحج عَلَى التَّرَاخِي، وأما إذا كان مؤجلاً فلأنه إذا صرف ما معه إلى الحَجّ، فقد يحل الأجل ولا يجد ما يقضي به الدَّين، وقد تَحْتَرمه المَنِيَّة فتبقى ذمته مرتهنة.
وفيه وجه أن المدة إن كانت بحيث تنقضي بعد رجوعه من الحج لزمه الحج، ولو كان مَالُه ديناً في ذمة إنسان نظر إن تيسر تحصيله في الحال بأن كان حالاً ومن عليه