والثاني -وبه قال مالك-: لا يشترط، بل عليه بيع المسكن والخادم، والاكتفاء بالاكتراء؛ لأن الاستطاعة مفسرة في الخبر بالزَّادِ والرَّاحِلَة، وهو واجدٌ لهما، وهذا الوجه أصَحُّ عند صاحب "التتمة"، وبه أجاب أبو القاسم الكَرَخِي، وحكاه عن نصّه في "الأم" ومن قال به فرق بين الحَجّ والكفارة بأن العتق في الكفارة له بَدَلٌ معدولٌ إليه، والحَجُّ بخلافه، وهذا الخلاف كالخلاف في اعتبارهما في صدقة الفطر وقد مرّ.

فإن قلنا بالوجه الأول فذلك فيما إذا كانت الدَّارُ مستغرقةً بحاجته وكانت سكنى مثله والعبدُ عبدٌ مثله، فأما إذا أمكن بيع بعض الدار وَوفَّى ثمنه بمؤنة الحَجّ، أو كانا نفيسين لا يليقان بمثله ولو أبدلهما لَوَفَّى التفاوت بمؤنة الحج لزمه ذلك، هكذا أطلقوه هاهنا، لكن في لزوم بيع الدار والعبد النفيسين المألوفين في الكفارة وجهان، وقد أوردهما في الكتاب، ولا بد من عودهما -والله أعلم (?) -.

الثالثة: لو كان له رأس مال يَتِّجِر فيه وينفق من ربحه، ولو نَقَص لبطلت تجارتُه أو كان له مُسْتغلاتٌ ترتفعُ منها نفقتُه، فهل يكلفُ بيعُها؟ فيه وجهان:

أحدهما -وبه قال أحمد وابن سُرَيْج-: لا، واختاره القاضي أَبُو الطَّيِّبِ لئلا ينسلخ من ذات يده ولا يلتحق بالمساكين.

وأصحهما: وبه قال أبو حنيفة -رحمه الله-: نعم، كما يكلف بيعُها في الدَّيْنِ، لأنه فَسَّر الاستطاعة في الخَبِر بالزَادِ، والرَاحِلة، وهو واجدٌ لهما. ويفارق العبد والمَسْكَن لأنه محتاجٌ إليهما في الحال، وليس كذلك ما نحن فيه وإنما يتخذه ذَخِيرةً لِلْمُسْتَقْبَلِ. الرابعة: إذا ملك مالاً فاضلاً عن الوجوه المذكورة لكنه كَانَ محتاجاً إلى أن ينكح خائفاً عن العَنَتِ، فَصَرْفُ المَالِ إلى مُؤَنِ النِّكاح أَهَمُّ مِنْ صَرفِه إلى الحَجِّ، هذه عبارة الجمهور وعلّلُوه بأن حاجة النِّكَاح ناجزة، والحج على التَّراخي، والأسبق إلى الفهم من التقديم الذي أطلقوه أنه لا يجب الحَجَّ والحالة هذه، فيصرف ما يملكه إلى مؤونات النِّكَاح، وقد صَرَّح الإمام بهذا المفهوم، لكن كثيراً من العراقيين وغيرهم قالوا: يجب الحَجُّ على من أراد التَّزَوُّجَ، لكن له أن يؤخره لوجوبه على التَّرَاخِي ثُمَّ إن لم يَخَفِ العَنَتَ، فتقديم الحَجِّ أَفْضَلُ، وإن خافه فَتَقْدِيمُ النكاح أولى (?).

الخامسة: لو لم يجد مالاً يصرفه إلى الزَّاد لكنه كان كَسُوباً يكتسب مَا يكفيه، وقد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015