لكن لم يأثم به بِسَبَب الصَّوْم، فإن الإفطار جائزٌ له، ولو زنا المقيمُ نَاسياً للصَّوم وقلنا: إن الصوم يفسد بالجَماع نَاسِياً، فلا كَفَّارة عليه أيضاً على الوَجْه الأصح؛ لأنه لم يأثم بسبب الصوم، فإنه كَانَ ناسياً له. وإذا تَأمَّلْتَ هذه الصور عرفت اشتراكها في شيء واحد، وهو أن المجامع فيها مَأْثُوم بالجِمَاع بسبب الصوم، ثم منها ما لا إثم فيه، ومنها ما فيه إثم، ولكن لا بِسَبَب الصوم، وهي متعلّقة بالقيد الذي ذكره آخراً، وهو قوله: (أثم به لأجل الصوم) وهذا يجوز أن يقدر وصفاً واحداً به يحصل الاحتراز عن الصور كلها فحيث لا إثم، لا إثم بسبب الصَّوم، ويجوز أن يقدر وصفين:

أحدهما: كونه مأثوماً به.

والثاني: كونه مأثومًا به بسبب الصوم، فبالأول يحصل الاحتراز عن الصور التي لا إثم فيها وفيها جِمَاع المُرَاهِقِ والمُسَافر والمَرِيض على قصد الترخص كما سبق، وبالثَّاني يحصل الاحتراز عن الصّور التي يأثم فيها لا بالصّوم.

قال الغزالي: وَتَجِبُ عَلَى المُنْفَرِدِ (ح) بِرُؤْيةِ الهِلاَلِ، وَعَلَى مَنْ جَامَعَ مِرَاراً كَفَّارَاتٌ (ح)، وَتَجِبُ عَلَى مَنْ جَامَعَ ثُمَّ أنْشَأَ السَّفَر (ح). وَلَوْ طَرَأَ بَعْدَ الجِمَاعِ مَرَضٌ أَوْ جُنُونٌ أَوْ حَيْضٌ سَقَطَ فِي قَوْلٍ وَلَمْ يَسْقُطْ فِي قَوْلٍ، وَتَسْقُطُ بِالْجُنُونِ وَالْحَيْضِ (م) دُونَ المَرَضِ (ح) فِي قَوْلٍ.

قال الرافعي: في الفَصْلِ ثلاث مسائل:

إحداها: إذا رأى هلالَ رمضانَ وحده وَجَبَ عليه صَوْمُه، وإذا صامه وأفطر بالجِمَاع فعليه الكَفَّارة. وبه قال مَالِكٌ وأحمد، خلافاً لأبي حنيفة -رحمه الله-.

لنا أنه هتك حُرْمَةَ يوم من رمضانَ بإفساد صَوْمِهِ بالجماع، فأشبه سائر الأيام.

ولو رأى هلال شَوَّال وحده، وجَبَ عليه أن يفطر ويخفي إفطاره عن النَّاس كيلا يُتَّهم. وعن أبي حنيفة وأحمد: أنه لا يفطر برؤيته وحده.

لنا ما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيتَهِ" (?) وإذا رُؤي رجل يأكل يوم الثَّلاثين من رمضان بلا عذر عزر عليه، فلو شهد أنه رأى الهلال لَمْ يقبل؛ لأنه متهم يريد إِسْقَاط التعزير عن نفسه، بخلاف ما إذا شَهِد أولاً فَرُدَّت شهادة، ثم أكل لا يعزر. الثانية: لو أفطر بالجماع ثم جامع في ذلك اليومِ ثَانياً، فلا كَفَّارة عليه إذ الجماع الثَّاني لم يقع مفسداً، ولو جامع في يومين، أو في رمضانين فعليه كَفَّارَتَان، سواء كَفَّر عن الأول، أو لم يُكَفِّر، وبه قال مالك. قال أبو حنيفة: إذا جامع في يومين، ولم يُكَفِّر عن الأول لم يلزمه إلا كفارةٌ واحدة. وعنه فيما إذا كَفَّر روايتان، ولو جَامَعَ في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015