وقوله: (بخلاف هلال شَوَّال) يجوز أن يُعَلَّم بالواو؛ لأن أبا ثور قال بثبوته بقول واحد، فإن له مذهباً تفرد به، ولكن لأنه حكى عن صاحب "التقريب" أنه ميل القول فيه. وقال بعد رواية مذهب أبي ثور: وهذا لو قلت به أكُنْ مبعداً.

ووجهه أنه إخبار عن خروج وقت العبادة فَيُقْبَلُ فيه قول الواحد كالإخبار عن دخول وقتها. وقوله: (لم نفطر) مُعَلَّم بالحاء؛ لما سبق، ويجوز أن يُعَلَّم قوله: (فنفطر) في الوجه الثاني بالميم؛ لأن مالكاً منع من الإفطار إلا إذا صُمْنَا بقول عَدْلَين، ولم نَرَ الهِلاَل، فأولى أن تمنع إذا صُمْنَا بقول وَاحِدٍ وَلم نره.

واعلم أن صاحب "التهذيب" -رحمه الله-، ذكر تفريعاً على الحكم بقبول قول الواحد أنا لا نوقع به العِتْقَ والطَّلاق المُعَلَّقَينِ بِهِلاَلِ رَمَضَانَ، ولا نحكم بِحُلُولِ الدَّيْنِ المُؤَجَّل بهِ، ولو قال قَائِلٌ: هَلاَّ ثبت ذلك ضمنًا كَمَا سَبَقَ نَظيرِه لَأَحْوَجَ إِلَى الفَرْقِ -والله أعلم-.

قال الغزالي: فَإذَا رُؤيَ الهِلاَلُ في مَوْضِعٍ لَمْ يَلزَمِ الصَّوْمُ فِي مَوضِع آخَرَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةُ القَصْرِ إِذَا لَمْ يُرَ فِيهِ، وَقِيلَ: يَعُمُّ حُكْمُهُ سائِرَ البِلاَدِ، فَعَلَى الأَوَّلِ لَوْ سافَرَ الصَّائِمُ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ لَمْ يُرَ فِيهِ الهِلاَلُ بَعْد ثَلاِثينَ صَامَ مَعَهُمْ بِحُكْمُ الحَالِ، وَلَوْ كَانَ أَصْبَحَ مُعَيِّداً وَسَارَت بِهِ السَّفِينَةُ إِلَى حَيْثُ لَمْ ير الهِلاَلَ كَانَ الأَوْلَى أَن يُمْسِكَ بَقِيَّةَ النَّهَارِ وَيَبْعُد إِجَابُهُ فَإِنَّ فِيهِ تَجزِئَةِ اليَوْمِ، فَإذَا هِلاَلُ شَوَّالِ قَبلَ الزَّوَالِ لَمْ يَجُزْ (ح) الإفْطَارُ إِلاَّ بَعْدَ الغُرُوبِ.

قال الرافعي: في الفَصلِ مسألتان:

إحداهما: إذا رُئي الهلالُ فِي بَلْدَة ولم يُرَ في أخرى نظر: إن تقاربت البَلْدَتَانِ فحُكْمُهُمَا حُكْمُ البَلْدَةِ الوَاحِدَةِ، وإن تَبَاعَدَتَا فوجهان:

أظهرهما -وبه قال أبو حنيفة -رحمه الله- وهو اختيار الشَّيخ أبي حامد-: أنه لا يجب الصَّوْم على أهْلِ البلدة الأخْرَى؛ لما روي عن كريب قال: "رَأَيْنَا الْهِلاَلَ بِالشَّام لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: مَتَى رَأَيْتُمْ الْهِلاَلَ؟ قُلْتُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: أَنْتَ رَأَيْتَ قُلْتُ: نَعَمْ وَرَاهُ النَّاسُ، وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: لَكِنَّا رَأَينَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ. فَلاَ تَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ الْعَدَدَ أَوْ نَرَاهُ، قُلْتُ أَوْ لاَ تَكْتفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوَيةَ؟ قَالَ: هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015