ولك أن تقول ينبغي أن يكون الواجب في الرّطب الَّذي يجيء منه التَمر ضَمَان التمر مطلقاً، وإن فرعنا على قول العبرة؛ لأن الواجب عليه ببدو الصلاح التمر أَلاَ تَراه قال في الكتاب: "عند بود الصلاح ينعقد سبب وجوب إخراج التمر" فإذا وجب لهم التمر فلم يصرف إليهم الرطب أو قيمته غايته أن الواجب متعلق به، لكن إتْلاَف متعلّق الحق لا يقتضي انقطاع الحق، وانتقاله إلى غرامة المتعلق، أَلاَ تَرَى أنه لو ملك خمساً من الإبل وأتلفها بعد الحول يلزمه للمساكين شاة دون قيمة الإبل؟ نعم لو قيل: يضمن الرطب ليكون مَرهُوناً بالتَّمْر الواجب إلى أن يخرجه كان ذلك مناسباً، لقولنا: إن الزَّكَاة تتعلَّق بالمَال تعلّق الدين بالرَّهْن.

المسألة الثالثة: في تصرف المالك فيما خرص عليه بالبيع والأكل وغيرهما، وهو مبني على قولي التَّضْمين والعبرة، فإن قلنا بالتضمين فله التصرف في الكل بيعاً وأكلاً، وقد روي أن النّبي -صلى الله عليه وسلم- قال في آخر خبر عتَّاب: "ثُمَّ يُخَلَّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ أهْلِهِ" (?).

وكان من مقاصد الخَرْص وفوائده التَّمكين من التَّصرف شرع ذلك لما في الحجر على أصحاب الثمار إلى وقت الجفاف من الحرج العظيم، وإن قلنا بالعبرة فقد ذكر الأئمة أن تصرفه في قدر الزَّكَاة مبني على الخلاف في تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بالعَيْن أو بالذِّمة كما سبق، وأما فيما عدا قدر الزَّكَاة فينفذ. حكى الإمام قطع الأصحاب (?) به ووجهه بأن أَرْباب الثِّمَار يتحملون مؤنة تربيتها إلى الجَفَاف، فجعل تمكينهم من التَّصرف في الأَعشار التسعة في مقابلة ذلك بخلاف المواشي حيث ذكرنا في التَّصرف فيما وراء قدر الزَّكاة منها خلافاً، وإن بقي قدر الزَّكاة وحجة الإسلام تابعه على دعوى القَطْع في "الوسيط"، لكنك إذا راجعت كتب أصحابنا العراقيين ألفيتهم يقولون: لا يجوز الْبَيع ولا سائر التصرفات في شيء مكن الثِّمَار في ذمته بالخَرْص، فإن أرادوا بذلك نفي الإباحة ولم يحكموا بالفساد فذلك، وإلا فدعوى القطع غير مسلمة والله أعلم.

وكيف ما كان ظاهر المَذْهب نفوذ التَّصرف في الأَعْشار التسعة، سواء أفردت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015