وعلى التقديرين فلا ضم على ما سبق، وهذا ما ذكره الأصحاب، ثم قال الصيدلاني وإمام الحرمين: ولو لم تكن ثمرة النَّجْدية مضمومة إلى حمل التِّهامية أوّلاً، بأن أطلعت بعد جُذَاذِ ذلك الحمل لكنا نضم حملها الثَّاني المطلع قبل جذاذ النجدية إليها، إذ لا يلزم هاهنا المحذور الذي ذكرناه، وهذا قد لا يسلمه سائر الأصحاب، لأنهم حكموا بضمِّ ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض وبأن ثمرة عام لا تضم إلى ثمرة عام آخر، ومعلوم أن إدراك ثمار التهامية في كل عام أسرع من إدراك ثمار النجدية، فيكون إطلاع التهامية ثانيًا للعام القابل، وما على النجدية من العام الأول.

وأما كلام الكتاب فأما إن أراد به الصورة التي نقلناها عن جمهور الأصحاب، وأما إن أراد به ما يشعر به ظاهر، فإن أراد تلك الصورة وهي التي أوردها في "الوسيط" فاللفظ هاهنا محال عن وجهه تصويراً وتعليلاً. أما التصوير فلأن للجمهور صوروا في إطْلاع النخلة الأولى مرة أخرى، وهو صور في ثلاث نَخلات متغايرة أطلعت الثّالثة بعد جُذَاذ الأولى وقبل جُذاذ الثانية.

وأما التعليل فلأن قوله: "لأن فيها ضمًّا" إلى قوله: "وذلك يتسلسل"، يشعر بأن امتناع الضم إلى حمل الثانية لتضمنه الضم إلى حمل الأولى وقد أطلع هذا بعد جذاذه ولا سبيل إلى ضم ما أطلع بعد المجذوذ إليه، ولو جوزنا ذلك للزم ضم نخلة إلى نخلة بلا نهاية، وهذا التعليل غير التعليل الذي سبق، وإن أراد ما يشعر به ظاهر الكلام فعدم الضم مما تنازع فيه كلام الأصحاب الدين قالوا بانضمام ثمار العام الواحد بعضها إلى بعض، ولم يبالوا بإطلاع الآخر بعد جذاذ الأول على ما أسلفناه، وفي ضبطهم بالعام الواحد ما يقطع التسلسل الذي ادعاه، ولا يخفى أن قوله: "لو ضممنا نخلة إلى أخرى" معناه حمل نخلة إلى حمل نخلة أخرى فحذف المضاف.

قال الغزالي: وَأَمَّا الذُّرَةُ لَوْ زُرِعَت بَعْدَ حَصْدِ الأُولَى فَعَلَى قَوْلٍ: هُمَا كَحَمْلَيْ شَجَرَةٍ فَلاَ يُضَمُّ، وَعَلَى قَوْلٍ: يُضَمُّ مَهْمَا وَقَعَ الزَّرْعَانِ وَالحَصَادَانِ فِي سَنَةٍ، وَعَلَى قَوْلٍ: يُكْتَفَى في الضَّمِّ بِوُقُوعِ الزَّرْعَيْنِ فِي سَنَةٍ؛ لأنَّهُ الدَّاخِلُ تَحْتَ الاخْتِيَارِ، وَعَلَى قَوْلٍ يُنْظَرُ إلَى اجْتِمَاعِ الحَصَادَيْنِ فَإنَّهُ المَقْصُود، وَعَلَى قَوْلٍ: إنْ وَقَعَ الزَّرْعَانِ وَالحَصَادَانِ أَوْ زَرْعُ الثَّانِي وَحَصَدْ الأَوَّلِ اكْتَفَى بِهِ، وَالزَّرْعُ بَعْدَ اشْتِدَادِ الحَبِّ كَهُوَ بَعْدَ الحَصَادِ عَلَى أَحَدِ الرَّأيَيْن، وَالزَّرْعُ بِتَنَاثُرِ الحَبَّاتِ لِلأوَّلِ وَبِنَقْرِ العَصَافيرِ كَهُوَ بِالاخْتِيَارِ، وَقيلَ: إنَّهُ يُضَمُّ لأنَّهُ تابعٌ، وَلَو أُدْرِكَ أَحَدُ الزَّرْعَيْنِ وَالآخَرُ بَقْلٌ فَالظَّاهِرُ الضَّمُّ، وَقيلَ: يُخَرَّجُ عَلَى الأَقْوَالِ.

قال الرافعي: الأصل الذي لا بدَّ من معرفته أولاً أَنَّ زرع عام لا يضم إلى زرع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015