عام آخر في تكميل النِّصاب (?)، واختلاف أَوْقَات الزِّرَاعة لضرورة التَّدريج فيها كالَّذي يبتدئ الزِّراعة ولا يزال يزرع إلى شهر أو شهرين فلا يقدح، بل هي معدودة زرعاً واحداً يضم بعضها إلى بعض عند اتحاد الجنس إذا عرفت ذلك ففي الفصل مسألتان:
إحداهما: أن الشَّيء قد يزرع في سنة واحدة مراراً كالذرة تزرع في فصول مختلفة في الخريف والربيع والصيف، ففي ضم البعض إلى البعض أقوال:
أحدها: أن المزروع بعد حصل الأولى لا يضم إليه كما لا يضم أحد حملي الشجر إلى الآخر.
والثاني: يضم إن وقع الزرعان والحصادان في سنة؛ لأنهما حينئذ بدان زرع سنة واحدة، بأن يكون بين الزَّرع الأول وحصد الثَّاني أقلّ من اثني عشر شهراً عربية، كذا قال صاحب "النهاية" و"التهذيب"، فإن كان بينهما سنة فصاعداً فلا يضم.
والثَّالث: أن الاعتبار بوقوع الزَّرْعَين في سنة ولا نظر إلى الحصاد؛ لأن الزرع هو المتعلق بالاختيار، والحصاد لا اختيار في وقته ويختلف باختلاف حال الأرض والهواء، وأيضاً فإنَّ الزرع هو الأَصْلُ والحصاد فرعه وثمرته، فيعتبر ما هو الأصل فعلى هذا يضم وإن كان حصاد الثَّاني خارجاً عن السنة.
والرابع: أن المعتبر اجتماع الحَصَادين في سنة فإذا حصل وجب الضَّم، وإن كان زرع الأول خارجاً عن السنة لأن الحصاد هو المقصود، وعنده يستقر الوجوب فاعتباره أولى، وهذه الأقوال الأربعة مدونة في "المختصر".
والخامس: ويحكي عن رواية الربيع: أنه إن وقع الزَّرْعَان أو الحصادان أو زرع الثَّاني وحصد الأول في سنة ضم أحدهما إلى الثاني، وهذا بعيد عند الأصحاب، لأنه يوجب ضم زرع السنة إلى زرع السنة الأخرى، فإنَّ العادة ابتداء الزرع الثاني بعد مضي شهر من حصد الأول، هذا بيان الأقوال على الوجه المذكور في الكتاب، واختلفوا في الأظهر منها، وكلام الأكثرين مائل إلى تَرْجِيحِ القول الرابع، ونقل المَسْعُودِي في "الإفصاح" القول الخامس على وجه أخص مما ذكرنا، فقال: الاعتبار بجميع السنة بأحد الطرفين.