أحدهما: تأدى عبادة الطهارة به.
والثانى: تأدى فرض الطهارة به.
فمن قال بالأول: أسقط طهورية المستعمل في الكَرَّةِ الثانية والثالثة، وتجديد الوضوء، والمَضْمَضَةِ، وَالاسْتِنْشَاقِ، وَغُسْل الجمعة، والعيدين، وسائر مسنونات الطهارة، [والطهارة المسنونة] (?) وقال بقاء الطهورية فيما اغتسلت به الذمية عَنِ الحَيْضِ لتحل لزوجها المسلم إذ لا تصح منها العبادة. ومن قال: بالآخر عكس الحكم.
واتفقوا على أنهما لَيْسَتَا عِلَّتَيْنِ مستقلتين، وإلا لما صار بعضهم إلى ثبوت الطهورية في هذه الصور، وعلى أنهما ليستا جزأي علة واحدة، وإلا لما صار بعضهم إلى النفي، وإنما اختلفوا في أن المعنى هذا أو ذاك، وكل واحد منهما ملائم [الآخر] (?)، أما تَأَدَّي العبادة [به] (?) فلأن الآلة المستعملة في المقصود الحِسِّيِّ يورثها ضَعْفًا وَكَلاَلاً، فكذلك [الآلة] (?) المستعملة في المَقصُودِ الشَّرْعِيِّ.
وأما تَأَدِّي الفرض به فلأن المراد منه رفع الحدث به، أو رفع منعه من الصلاة حيث لا يرتفع هو كما في وضوء صاحب الضَّرُورَةِ، وذلك يقتضي تأثر الماء ألا ترى أن غُسَالَةَ النَّجَاسَةِ لما أثرت في المَحِلِّ لم يبق المَحِلُّ كما كان قبل الغُسْلِ تأثرت هي بالاستعمال، حتى لم تبق كما كانت قبل الغسل، يُحْكَى هذا التقرير عَن ابْنِ سُرَيجٍ (?)، ويجوز أن لا يقدر لكل واحد من فريقي الأصحاب التعليل بالمعنى الذي أبداه استقلالاً؛ بل يقول هؤلاء: ما ذكرناه من المعنى واقع في موضوع الاتفاق ملائم للحكم، فلا يحذف عن دَرَجَةِ الاعتبار، ويزعمون أن المعنى الثاني لغو، والآخرون يدعون مثل ذلك في المعنى الثاني، فَيَنْتَظِمُ الخلاف على هذا التقدير أيضاً.