واعلم أن ظَاهِرِ المذهب اعْتِبَارُ أدَاءِ الفرض دون المعنى الثاني حتى لا تَسْقُطُ طَهورِيَّةُ المستعمل في المرة الثانية وأخواتها، وتسقط في مسألة الذمية، والوجهان في الذِّمِيِّةِ مخصوصان بقولنا: إن الذمية إذا أسلمت يجب عليها إعادة ذلك الغُسْلِ، وهو الصحيح. أما إذا قلنا: لا تجب الإعادة عليها فهو مستعمل على المعنيين، لأنه قد ارتفع به المنع من الوَطءِ وأفاد جَوَازَ العِبَادَةِ به لو ارتفع مانع الكفر.
وقوله: في الأصل "لتأدي العبادة به وانتقال المنع" كذلك يوجد في بعض النسخ؟ بل في أكثرها؛ وفي بعض النُّسَخِ المُحْدَثَةِ "أو انتقال المنع إليه"، وشغف به جماعة من مُحَصِّلِي هذا الكتاب لما ذكرنا أن العِلَّةَ غير مركبة من المعنيين، وإنما اختلفوا في أن العلة ماذا، ولا شك أن ما شرحناه من كلام الأصحاب واختلافهم يقتضي ذلك، ولكن الواو وأو قد يستعمل أحدهما في موضع الآخر، فالواقف على حظ المعنى قد ينزل الواو على أو، ولا يغير صورة الكتاب، ونظيره يكثر في المذهب، ثم الحدث ليس شيئًا محققًا يفرض انتقاله من البَدَنِ إلى الماء، لكن [المعنى أن باستعمال الماء] (?) يرتفع منع كان بالبدن، وهو أنه كان ممنوعًا من الصلاة وغيرها، ويحدث منع في الماء لم يكن، وهو أنه لا يستعمل مرة أخرى فَعَبَّرَ عن ارتفاع منع وحدوث منع بالانتقال تَوَسُّعاً.
وينبغي أن تعلم أن انتقال المنع الذي ذكره هو الذي عبر عنه غيره من الأصحاب بأداء الفرض، لأن رفع الحدث فرض، ولا نعني بالفرض في مثل هذا ما يلحق الإِثْم بتركه بل ما لا بد منه، وكذلك نحكم باستعمال ما توضأ به الصبي إلا على وجه لا يعبأ به، وباستعمال ما توضأ به البَالِغُ لصلاة النفل: وعبارة أداء الفرض أوضح وأولى.
قال الغزالي: فُرُوعٌ ثَلاثة: الأوَّلُ- المَاءُ المُسْتَعْمَلُ فِي الحَدَثِ لاَ يسْتَعْمَلُ فِي الخَبَثِ عَلَى أَحْسَنِ الوَجْهَينِ. الثَّانِي- إِذَا جُمِعَ المَاءُ المُسْتَعْمَلُ حَتَّى بَلَغَ قُلَّتَينِ (?) عَادَ طَهُوراً عَلَى أَقْيَسِ الوَجْهَينِ كَالمَاءِ النَّجِسِ. الثَّالِثُ- إِذَا انْغَمَسَ الجُنُبُ فِي مَاء قَلِيل نَاوِيًا وَخَرَجَ ارْتَفَعَتْ (و) جَنَابَتُهُ وَصارَ المَاءُ مُسْتَعْمَلاً بَعْدَ الخُرُوجِ وَالاِنْفِصَالِ.
قال الرافعي: اعلم أنه يتفرع على القول الجديد مسائل:
إحداها: المستعمل في الحدث هل يستعمل في الخبث؟ فيه وجهان: