***

ولي أن أختم الإبحار في تدبّر وتذوق إيقاع البيان القرآني بسبحة في إيقاع سورة (الشرح) وهي سورة حبيبة إلى نفسي أسكن إليها حين تضيق النفس بما حولها أو مما حولها.

{بسم الله الرحمن الرحيم * أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ}

سورة مكية يمتد فيها المعنى المنساب من سورة (الضحى) امتدادًا كالمفسّر للنعمة التي حَثَّ الله - عز وجل - نبيه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - على أن يتحدث بها، فما ذكر في سورة الشرح من أجل ما أفاض عليه من النّعم.

والسورة شأنها شأن السور المكية تمنح القيم الصوتية فيها مكانة في تكوين صورة المعنى وتشكيلها، على تنوع هذه القيم الصوتية فيها،ومن أبرز تلك القيم ما تواطأت عليه رؤوس الآيات من التناغم المتنوع تنوعًا مرهونًا بالجو الذي يشيع في كلّ مقطع من مقاطعها على قصرها وقلة عدد آياتها.ممّا يدلّ على أنَّ تنوع الفواصل ليس معياره كثرة الآيات في السورة وامتداد سياقها بل مرده اقتضاء المعنى والغرض المنصوب له الخطاب.

انتهت فواصل الآيات الأربع الأولى بالكاف المسبوقة بالراء المفتوحة: (صَدْرك – وِزْرك – ظَهْرك – ذِكْرك) ولو أنك أصغيت إلى وزن هذه الفواصل وجدت الفاصلة الأولى والثالثة (صدرك – ظهرك) على زنة (فًعْلَكَ) بفتح فسكون ففتح..والفاصلة الثانية والرابعة (وزرك – ذكرك) على زنة (فِعْلَكَ) بكسر الفاء وسكون العين. وهذا ضرب من التنسيق لطيف طريف. هذا التوازي والتوازن والتساوي أيضًا يتناغم مع المعنى الذي تضمنته الآيات كما سيتبين لك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015