وإذا نظرت رأيت أن كلّ آية من هذه الأربع قد تعادلت في حركاتها وسكناتها، وقد غلب على حركاتها صوت الفتحة، ولم تأت الكسرة إلا في ثلاثة مواضع (وذرك – الذي- ذكرك) وهذا يبين لك أهمية الإتيان بقوله: (لك) في الآية الأولى، و (عنك) في الثانية، و (لك) في الرابعة، ولو رفعت هذه الكلمات، فقيل في غير القرآن الكريم: الم نشرح صدرك ووضعنا وزرك الذي انقض ظهرك ورفعنا ذكرك، لضاع التناسق النغمي، واختل نسق الإيقاع الذي بنيت عليه الآيات.

وإذا نظرت ما بنيت عليه فواصل هذه الآيات الأربع رأيت (الراء) المفتوحة ذات توقيع صوتي متميز: تحمل من صوت التكرار الكثير، كما أنها صوت مجهور مفتوح، ثُمَّ ما تضيفه حركة الفتح، وهي نصف الألف من انطلاق، فالفتح كما لا يخفى يمنح الجرس الصوتيّ انطلاقًا يتلاءم مع حركة التكرير وتوقيعه في صوت (الراء) ليكون أكثر انطلاقًا لخفة الفتحة، وليتلاءم مع مخرج (الراء) فهو من طرف اللسان الأدنى إلى ظهره ومع ما فوق الثنايا حيث يتيح ذلك للنغم أن يتردد، ولكن هذا الانطلاق مقيد بصوت الكاف الساكنة.

يأتي (الكاف) وهي إلى أقصى اللسان أقرب مع ما لها من الهمس والشدة، وما يعتريها من السكون بالوقف أحدث ضربًا من التوقيع البديع المتنوع، فتكون نغمات صوت (الراء) أشبه بنغمات الحركة، ونغمات صوت (الكاف) أشبه بالسكتة في التنغيم، فيكاد يكون الكاف أشبه بقرار التنغيمات التي تتردد من صوت (الراء)

ساعد ذلك كلّه قصر الآيات.

كلّ هذا وفوقه تناسبٌ دقيقٌ وثيقٌ بين عطاء صوت الكاف الساكن في الآيات الأربع الأولى وما تزخر به هذه الآيات من المعنى.

ألا ترى العبْءَ المتثاقل في صوت (الكاف) والسكون متناسقًا متناغمًا مع مضمون هذه الآيات الأربع حيث الصدر المفعم بالكمد والوزر المتثاقل على الكاهل والظهر الذي كاد يتهاوَى تحت وطأته

طور بواسطة نورين ميديا © 2015